السبت، 2 يوليو 2011

انقسام في الكونجرس بسبب أكواب القهوة البلاستيكية!

انقسام في الكونجرس بسبب أكواب القهوة البلاستيكية!

هل تُصدقون بأن الكونجرس الأمريكي الذي يضع بصماته العميقة على سياسات الدول في العالم قاطبة، شهد مؤخراً حالة من الانقسام الشديد، والنقاش الحاد بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذين يتبادلون دور السيطرة على الكونجرس، في موضوع بسيطٍ جداً هو السماح مرة ثانية لاستخدام أكواب القهوة والملاعق والشوك البلاستيكية في المطاعم التابعة للكونجرس، بعد أن غابت عنها لمدة أربع سنوات، وقد بلغ النقاش إلى درجة أن بعض الديمقراطيين هددوا بمقاطعة تناول الوجبات في مطاعم الكونجرس!

هذه الحالة التي أراها أمامي تجعلني أعجب لأمر الولايات المتحدة الأمريكية ولسياساتها وخططها البيئية، فهي تؤكد لي بأنها سياسات مبنية على الأهواء الشخصية، والقناعات الفردية، والمصالح والمنافسات الحزبية إضافة إلى العناد بين الحزبين، كما تعتمد هذه السياسات البيئية الأمريكية إلى حدٍ كبير على توجهات ومصالح ونفوذ الشركات الكبيرة، فهي إذن ليست سياسات مؤسسية ثابتة تأخذ في الاعتبار المصلحة القومية العليا وحماية صحة المواطن ومكونات البيئة، كما هو الحال بالنسبة لسياسات أمريكا الخارجية التي نادراً ما تتغير، ولو تغيرت الأحزاب الحاكمة ووجوه القادة في البيت الأبيض.

فالبيئة دائماً هي الحلقة الضعيفة في سياسات الحكومات بشكلٍ عام، وسياسات الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ خاص، وهي التي تسقط دائماً عند المساومات السياسية بين الأفراد، والمفاوضات التي تدور بين الأحزاب، فهي في مقدمة قائمة الأولويات في أحاديث وخطابات الحكومات ورجال السياسة العلنية أمام الجمهور وفي وسائل الإعلام، وهي في ذيل هذه القائمة عند أجراء الحوارات السياسية السرية على طاولة المفاوضات، وهي التي يضحي بها أولاً زعماء الأحزاب عند ترتيب الأولويات بعيداً عن أعين الناس ورجال الإعلام.

فهذا التلاعب بالبيئة وشئونها، والانقسام في السياسات البيئية العلنية والسرية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بدا واضحاً ومشهوداً للجميع وظهر فوق السطح، حتى على مستوى أبسط الإجراءات والأنظمة البيئية مثل استخدام أكواب القهوة البلاستيكية في مطاعم المباني التابعة للكونجرس، والتي تثير الضحك والسخرية على هذا المستوى من العِناد والسذاجة الذي وصل إليه الحزبان في تسيير شئونهم الإدارية اليومية في مبنى الكونجرس.

فقد بدأت هذه القصة في عام 2007 عندما سيطر الحزب الديمقراطي على الكونجرس برآسة نانسي بيلوسي(Nancy Pelosi)، تبنى المجلس برنامجاً بيئياً تحت شعار ”تخضير العاصمة“، وهذا البرنامج اشتمل على عدة نقاط، كما يلي:
أولاً: خفض إنتاج المخلفات الصلبة من المباني التابعة للكونجرس من خلال استخدام أدوات تقديم الطعام القابلة للتحلل الحيوي والتي يمكن تدويرها بعد استخدامها، فقد تقرر استعمال ملاعق وشوك وصحون مصنوعة من مشتقات نباتية كالذرة وقصب السكر، ثم تحويلها إلى ”كمبوست“، أو مواد مخصبة للتربة تُستخدم للزراعة في مباني الكونجرس.

ثانياً: خفض استهلاك الكهرباء عن طريق استبدال المصابيح الشديدة الاستهلاك للطاقة بمصابيح أخرى قليلة الاستهلاك للكهرباء، وبالتالي خفض انبعاثات الملوثات من محطات توليد الطاقة.

ثالثاً: استخدام وقود أقل تلويثاً للبيئة لتوليد الكهرباء، حيث تم استبدال الوقود المستخدم لتوليد الكهرباء في بعض المباني التابعة للكونجرس من الفحم إلى الغاز الطبيعي الذي يعتبر وقوداً أنظف من الفحم، ويولد كمية أقل من الملوثات الغازية، كما أن نوعية الملوثات التي تنطلق إلى الهواء أفضل نسبياً من الناحيتين البيئية والصحية.

والآن عندما جاء دور الجمهوريين في التحكم في زمام الأمور في الكونجرس، ألغوا هذه المبادرة البيئية برمتها، بحجة أنها مكلفة وغير مجدية من الناحيتين البيئية والاقتصادية، وذلك بناءً على تصريحات الجمهوري من ولاية كاليفورنيا دان لينجرن(Dan Lungren) رئيس اللجنة الإدارية في الكونجرس، وأكد على هذه السياسة الجديدة الناطق باسم مجلس النواب جون بوهنر(John Boehner) في المؤتمر الصحفي قائلاً:”الأكواب البلاستيكية ترجع مرة ثانية“.

فهل سيكون للبيئة وهمومها وقضاياها الكثيرة مستقبل مشرق على المستوى الدولي إذا كان هذا هو أسلوب إدارة المشكلات البيئية في الولايات المتحدة الأمريكية؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق