الجمعة، 29 يوليو 2011

حشرة ضعيفة تُهدد أمريكا

حشرةٌ صغيرة وضعيفة، لا حول لها ولا قوة، لا يزيد طولها عن خمسة مليمترات، ولا تستطيع الطيران والتحرك بسرعة من مكانٍ إلى آخر، وبالرغم من ذلك فإنها تُلقى الخوف والرعب في نفوس الأمريكيين، وتنشر الفزع في قلوبهم، وتُحير علماء الأحياء والباحثون في مجال المبيدات الحشرية، كما تُشغل في الوقت نفسه بال رجال السياسة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة سنوات استجابة لشكاوى الناس والأضرار التي تلحقها هذه الحشرة والبَقَّة الصغيرة على الصحة والاقتصاد العام. فقد أكدت الجمعية الوطنية لإدارة الآفات في الولايات المتحدة الأمريكية في دراسة قامت بنشرها في عام 2010 تحت عنوان “الدراسة الدولية الشاملة حول بقة السرير”، على أن اتصالات المواطنين وشكواهم حول مشكلة بقة السرير قد زادت بنسبة ملحوظة بلغت 81% منذ عام 2000، ووصلت إلى أكثر من 24 ألف حالة شكوى.

ولذلك فالكونجرس الأمريكي بالرغم من كثرة شؤونه وهمومه، وارتفاع قائمة القوانين الحيوية المتأخرة التي تنتظره لسنوات، استقطع جزءاً من وقته الثمين ليرعي مؤتمراً وطنياً يُعلن الحرب فيه على هذه الحشرة المخيفة والمزعجة، ويدعو الجميع للتباحث حـول سـبل التخلص منها، وأطلق عليه “الـقـمة الوطنية لبقة السرير”( National Bed Bug Summit)، والتي عُقدت مؤخراً في العاصمة واشنطن لمدة يومين، وهذه ليست القمة الأولى التي تُنظم لهذه الحشرة المغلوبة على أمرها، حيث إن القمة الوطنية الأولى عُقدت في مدينة روزمونت(Rosemont) بولاية إلينوي في الفترة من 21 إلى 22 سبتمبر 2010، وجَمَعت أكثر من 600 مشارك من مختلف الولايات لمناقشة قضية ساخنة واحدة فقط وهي بقة السرير، وتأكيداً لخطورة هذه الحشرة وتهديدها للمجتمع الأمريكي برمته، فقد أُطلق على عام 2010 بعام بقة السرير.

فهذه الحشرة بعد أن تم القضاء عليها كلياً في الخمسينيات من القرن المنصرم، استطاعت أن ترجع مرة ثانية إلى المجتمع الأمريكي وهي في كامل قواها، وتمكنت من أن تقاوم وتتغلب على كل أنواع المبيدات التي استخدمت ضدها، فانتشرت حتى في الولايات التي لم تكن تعرف من قبل بوجودها.

فهي الآن موجودة في المنازل، والشقق، والفنادق الفخمة ذات الخمسة نجوم، وفي محلات الأثاث، ومتاجر الملابس، والمكتبات العامة، إضافة إلى المباني التاريخية والعريقة، كما أن الكثير من المحلات التجارية أغلقت أبوابها لأجلٍ غير مسمى لمواجهة هذا الخطر ومحاولة القضاء عليه من جذوره، واستئصاله كلياً من محلاتها.

ومما زاد من تهديد هذه الحشرة للصحة العامة والاقتصاد الوطني، ودق ناقوس الخطر، هـــــو مـــــــــا اكـــــــــــتشفـــه البـــــاحثــــــــــون العــــــــامــــــــلون في المــــــــركز الأمـــــــــريكي لمـنع والتحكم في الأمراض(Centers for Disease Control and Prevention)، ونُـشرت نـتـائـجه في الـعدد الصادر في يونيو 2011 في مجلة طبية متخصصة في الأمراض المعدية اسمها “أمراض معدية قادمة”(Emerging Infectious Diseases)، فقد أكدوا بأن حشرة السرير تَحْمل معها وعلى جسمها نوعين من البكتيريا يقاومان العقاقير والأدوية، كالمضادات الحيوية، وهذان النوعان من البكتيريا قاتلـــتــــان للإنــــسان وتُعرفان علمياً على المستوى العالمي بـ إم آر إس أيه و في آر إي(Staphylococcus aureus, MRSA and Enterococcus faeium,VRE ).

وهذا الاكتشاف يعني بأن هذه الحشرة الصامتة التي تهاجم الإنسان في وقت السحور وفي ساعات الفجر الأولى عندما يكون الإنسان في راحةٍ تامة وغارقاً في سباتٍ عميق ولذيد، ففي هذه الساعات تنشط هذه الحشرة، وتبدأ زحفها نحو فريسته وهجومه نحو جلد الإنسان، فتقوم بوخز الجلد والتلذذ بامتصاص الدم... فهذه الحشرة علاوة على كل هذا، تقوم عند عضها للإنسان بنقل هذين النوعين الخطرين جداً من البكتيريا، ونشرهما إلى كافة شرائح وفئات وطبقات المجتمع الأمريكي دون تمييز أو تفريق، كما أكدت هذه الدراسة على أن هذين النوعين من البكتيريا تسببان المرض لنحو 90 ألف أمريكي سنوياً، وتقتلان زهاء 15 ألف منهم.

والمعضلة الكبيرة التي تواجه العلماء المعنيين بمكافحة هذه الحشرة هي عدم وجود مبيد فاعل وقوي يستطيع قتلها، مما اضطرهم إلى التدخل في الأعماق الدقيقة في جسم هذه الحشرة، وبالتحديد إلى أنواع الجينات التي تحملها، لعلهم يصلون إلى آلية هذه الحشرة في مقاومة المبيدات التقليدية المعروفة وأسباب نشاطها بعد أكثر من ستين عاماً.

وحتى يصل العلماء إلى الحل الجذري لاجتثاث هذه الحشرة، فإن الأجهزة المختصة تنصح المواطنين بالقيام بعدة أمور من بينها: الكشف عن حشرة السرير عند شراء الأثاث، وبخاصة الأثاث المستعمل، ووضع المخدات وغيرها في أغطية واقية، وسد جميع المنافذ والحفر والثقوب في المنزل حتى لا تجد الحشرة مكاناً آمناً للاختباء فيه، وعند السفر التأكد من عدم التعرض لهذه الحشرة حتى لا يحملها الإنسان معه إلى منزله أو مكان عمله.

هناك تعليق واحد:

  1. يا سيدي انا من ضحايا هذه الحشرة في البحرين والحمدالله اننا تخلصنا منها يا دكتور انها تتكاثر بمعدل خراقي يكفي حشرة واحدة لتدمير المنزل
    وشكرا للمقار
    داحمد

    ردحذف