الأربعاء، 6 يوليو 2011

هل سيصبح الإنسان أكثر غباءً ؟

نشرتْ مجلة طب الأطفال(Pediatrics)الأمريكية بحثاً حول العلاقة بين تعرض الأم الحامل للملوثات الموجودة في الهواء الجوي أثناء فترة الحمل وقدرة الطفل العقلية والذهنية بعد الولادة. فقد أُجريت الدراسة في مركز كولومبيا للصحة البيئية للطفل، وتناولت تَعرض الأم الحامل لمجموعة من الملوثات المُسرطنة الموجودة في الهواء الجوي العادي، وتُعرف بالمـركبات الهـيدروكربونية الأرومـاتيكية متعـددة الحلقـات
(polycyclic aromatic hydrocarbons). وهذه المجموعة السامة من الملوثات تنبعث عند الاحتراق غير الكامل للوقود في المصانع، والسيارات، والتدخين بأنواعه المختلفة من سجائر وشيشة، ولذلك فإن هذه الملوثات تعتبر من المركبات المألوفة في بيئتنا والواسعة الانتشار، فهي موجودة في الهواء والماء والتربة، وفي أجسامنا وأجسام الكائنات الفطرية من نباتات وحيوانات، كما هي موجودة معنا في داخل منازلنا.

وقد شملت هذه الدراسة الميدانية التي بدأت عام 1998 حتى عام 2009، عينة مكونة من 249 امرأة حامل يعيشون في مدينة نيويورك، حيث راقبت الدراسة تعرض النساء لهذه الملوثات أثناء فترة الحمل وبعد الحمل، كما تابعت الدراسة حالة الأطفال قبيل الولادة حتى عمر 11 سنة، وأجرت عليهم التجارب والاختبارات اللازمة لقياس الذكاء والقدرات العقلية.

وقد أكدت الدراسة انخفاض درجات الأطفال في الامتحان الخاص بقياس نسبة الذكاء وإمكاناتـهم العقلية والذهنية والمـعروف بامـتحان الـ آي كيو(Intelligence Quotient, IQ test) بأربع نقاط. ولهذه النتيجة مدلولات تعليمية خطيرة تنعكس مستقبلاً على الوظائف العقلية لشباب ورجال المستقبل، أي أن إمكاناتهم وقدراتهم الذهنية ستنخفض مع الزمن، وأن أداءهم العلمي والأكاديمي سيزداد سوءاً وتدهوراً مع الوقت، مما يعني أن عطاء الإنسان وانجازاته العلمية قد تكون في خطر الانحسار.

وتأكيداً لنتائج الدراسة السابقة، نَشرت مجلة شؤون الصحة البيئية(Environmental Health Perspective)بحثاً تحت عنوان “ تركيز الرصاص في الدم والوظائف العقلية للطفل عند عمر ست سنوات”. وقد قامت الدراسة بإجراء اختبار قياس نسبة الذكاء على 194 طفلاً، ومراقبة التغيرات التي تطرأ على أدائهم في هذا الامتحان منذ أن كان عمرهم ستة أشهر إلى ست سنوات، حيث أكدت الدراسة على مستوى الذكاء والقدرات العقلية عند الأطفال الذين تعرضوا للرصاص في انخفاضٍ مستمر مع الوقت.

وأخيراً وليس آخراً، وتأكيداً لاستنتاجات الدراسات السابقة، نَشرت مجلة البحث البيئي(Environmental Research) بحثاً ميدانياً غطى فترة زمنية من عام 1936 إلى 2003، وذلك بهدف إيجاد العلاقة بين التغير في تركيز الرصاص مع الزمن في دم المواطن الأمريكي وأداء الطلاب في امتحان القبول للجامعة، والمعروف بامتحان الانجاز المدرسي أو الـ إس أي تي(Scholastic Achievement Test, SAT) الذي يأخذه الطالب الأمريكي عند طلب الالتحاق بالجامعة، كما هدفت الدراسة أيضاً إلى التعرف على علاقة مستوى الرصاص في الدم بالتخلف العقلي عند الأطفال.

وقد أشارت الدراسة إلى أن هناك علاقة عكسية بين تركيز الرصاص في الدم وأداء الطلبة في امتحان الانجاز المدرسي، فكلما زاد تركيز الرصاص في الدم انخفض أداء الطلبة في الامتحان، وكلما انخفض تركيز الرصاص في الدم ارتفعت درجات الطلبة. ومن جانب آخر أوجدت الدراسة أن هناك علاقة بين تركيز الرصاص والتخلف العقلي، فقد انخفض أعداد الأطفال المتخلفين عقلياً مع انخفاض تركيز الرصاص في الدم.

ولذلك فإن هذه الدراسة ومثيلاتها من الدراسة الكثيرة المنشورة، تُجمع وتؤكد على أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين تعرض الإنسان للملوثات ومستوى ذكائه وقدراته العقلية والذهنية والتحصيل العلمي في المستقبل، فكلما زادت نسبة الملوثات في عناصر البيئة وفي أجسامنا انخفض أداؤنا العقلي وقل ذكاؤنا، أي أنه هناك احتمالاً كبيراً بأن الجيل القادم لبني الإنسان سيصبح أكثر غباءً مع الوقت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق