الثلاثاء، 5 يوليو 2011

الألعاب الأولمبية وورطة لندن

إذا كُنتَ من الذين يحبون الذهاب إلى لندن، فعليك أخذ الحذر والحيطة بسبب التلوث الخفي وغير المرئي الذي يحيط بلندن منذ سنوات، ولست أنا من يدعي ذلك، فالدراسات الميدانية والتقارير الرسمية تؤكد على هذه الحقيقة، فالتلوث اليوم ضرب أطنابه في أعماق البيئة اللندنية، وينجم عن الجسيمات الدقيقة الصغيرة جداً التي تنجم عن احتراق الوقود في السيارات ومحطات توليد الكهرباء، والتي يكون مصيرها التراكم في أعماق الرئتين وإصابة الناس بالربو، وأمراض القلب والجهاز التنفسي، ثم الموت المبكر لقرابة 29 ألف إنسان سنوياً، حسب الإحصاءات الحكومية الرسمية.

ونتيجة لهذا الوضع غير الصحي، فإن فهناك غرامتين كبيرتين تنتظران لندن، المَدينة المستضيفة للألعاب الأولمبية الصيفية في أغسطس 2012

أما الغرامة الأولى التي تنتظر لندن، تبلغ زهاء 175 مليون جنيه إسترليني(108 ملايين دينار بحريني) ومفروضة من قبل اللجنة الأولمبية الدولية المعنية بمتابعة ومراقبة تنفيذ لندن لتعهداتها التي قطعتها على نفسها لحماية البيئة والحياة الفطرية وجعل هذه الألعاب صديقة للبيئة في جميع القطاعات. والغرامة الثانية فهي مقدمة من الإتحاد الأوروبي وقدرها 300 مليون جنيه(186 مليون دينار) وذلك لعدم التزام لندن بالمعايير والمواصفات الأوروبية الخاصة بجودة الهواء الجوي في المدن الأوروبية.

وهذا يعني أن لندن الآن واقعة في حرجٍ شديد أمام الرأي العام الدولي، وتعاني من ورطةٍ كبيرة يصعب الخروج منها، وتقف أمام تحديات ضخمة من نواحي عدة، فهناك التحدي الاقتصادي المتمثل في الغرامة المالية التي تصل مجموعها إلى 475 جنيهاً، وهناك التحدي الاجتماعي والبيئي والصحي والذي يتمثل في احتمال فشل الألعاب الأولمبية في عام 2012 بسبب ارتفاع تركيز بعض الملوثات وتدهور جودة الهواء في لندن بشكلٍ عام، مما يُخفض من أداء وقدرة اللاعبين على تحطيم الأرقام القياسية الأولمبية السابقة.

وفي الواقع فإن تدهور صحة البيئة والهواء الجوي بشكلٍ خاص يعتبر من الأزمات الخالدة والأزلية التي تعاني منها لندن منذ بزوغ فجر الثورة الصناعية الأولى، ونزلت على لندن العديد من الكوارث التي ذهب ضحيتها الآلاف من البشر بسبب ارتفاع تركيز الملوثات في الهواء، منها الكارثة التي ضربت لندن في أسبوع الأعياد والاحتفالات في ديسمبر 1952، فتوقفت الحياة كلياً، وشلَّت الحركة المرورية لساعات طويلة باستثناء سيارات الإسعاف التي سمعت أصواتها في كل مكان في شوارع لندن، واكتظت المستشفيات بالموتى والمرضى، حتى بلغ أعداد الضحايا الذين سقطوا في فترة أسبوعٍ واحد نحو 10 آلاف إنسان. فقد غطت سماء لندن سحابة كئيبة سوداء اللون لعدة أيام، فحجبت الرؤية، وملأت صدور الناس بالملوثات القاتلة، فتحولت أيام الأعياد إلى مأتم وأحزان.

وهذه الأجواء المَرَضِيَّة مازالت موجودة في لندن حسب تقرير لجنة التدقيق البيئي التابعة لمجلس العموم البريطاني والمنشور في مارس 2010، وتقرير عمدة لندن بورس جونسون(Boris Johnson) في الأول من يوليو 2010، فهذه الظاهرة الصحية البيئية بين مدٍ وجزر وارتفاعٍ وانخفاض، وتغيرٍ في أنواع الملوثات التي تسبب هذه الحالة. ففي مطلع القرن المنصرم، كان الدخان الأسود وأكاسيد الكبريت والنيتروجين هي السبب في إحداث السحب السوداء، أما الآن فإن ملوثات السيارات المتمثلة في الجسيمات الدقيقة جداً وغاز الأوزون هي المسئولة عن تَكَوُن السُحب البنية الصفراء اللون والمعروفة بالضباب الضوئي الكيميائي.

ولذلك فإن لندن تلاحقها تحذيرات وتهديدات اللجنة الأولمبية الدولية من جهة والاتحاد الأوروبي من جهةٍ أخرى ولا يمكن الفرار منهما. فقد قطعت الهيئة الأولمبية البريطانية قبل أكثر من عقد من الزمن عهداً أمام المجتمع الدولي، وأعلنت بأنها ستلتزم بمبادئ وأسس الاستدامة البيئية، وصَرحت بأن لندن ستكون المدينة المستضيفة الأولى التي تُدمج مبادئ الاستدامة في خططها الأولمبية، وأن هذه الألعاب الأولمبية ستكون الأفضل بيئياً على المستوى الدولي، وبناءً على ذلك فلا بد من الوفاء بهذه التعهدات حفاظاً على سمعة بريطانيا وتحقيقاً لنجاح هذه الدورة.

ونظراً لتعمق جذور هذه الظاهرة الخطرة في بيئة لندن منذ أكثر من قرن، فإن حلها بشكلٍ مستدام سيكون مستحيلاً على المدى القريب، وهذا ما اضطر الجهات الرياضية المختصة في بريطانيا إلى التخلي عن بعض التزاماتها ووعودها البيئية، وخفض درجة التوقعات من أن تكون هذه الألعاب الأفضل من ناحية الاستدامة البيئية.

فعلى سبيل المثال، تعهدت لندن بأنها ستُنْتج 20% من الطاقة للألعاب الأولمبية من المصادر البديلة والنظيفة، مثل إنتاج الطاقة من الرياح، ولكنها أكدت الآن بأن هذا لا يمكن تحقيقه وأنها ستنتج 9% فقط من الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة، كما إنها وعدت العالم بأن تكون الألعاب خالية من إنتاج المخلفات الصلبة، أي أنها ستقوم بتدوير جميع المخلفات وستتجنب دفنها، وهذا الوعد أيضاً لن تتمكن لندن من تحقيقه. وعلاوة على هذا فقد تعهدت لندن بإنشاء أكبر متنزه حضري في أوروبا يتمثل في القرية الأولمبية والمرافق المساندة لها، ولكن تؤكد المؤشرات بأن هذا المتنزه لن يرى النور، وأنه كان مجرد أحلام وخيالات غير واقعية، وُضعت من أجل كسب الرهان على استضافة لندن للألعاب الأولمبية.

هناك تعليق واحد:

  1. ولكن من سبحايب بريطانيا على عدم الوفاء بالتعهد يا دكتور نحن نعيش مجتمع الغاب

    محمد الخواطره

    ردحذف