السبت، 16 يوليو 2011

التَانِينجْ

عجباً لأمر الإنسان من الذكور والإناث، يُعرِّضْ نفسه وبمحض إرادته وهو مرتاح النفس للأشعة القاتلة التي تسبب له أمراضاً مزمنة وتؤدي إلى موته، وذلك من أجل أيامٍ معدودات من الجمال الصناعي السطحي الذي ريثما يزول بعد فترة قصيرة.

فالإنسان في هذه الأيام يعيش في بيئة ملبدة بالملوثات الكيميائية والحيوية والطبيعية التي لا يستطيع أن يتجنبها مهما فعل، ويتعرض رغماً عن أنفه، ولاإرادياً لهذه الغمامة السامة التي تحيط به، ولذلك ليس بحاجةٍ إلى المزيد من هذه الملوثات المميتة، موتاً بطيئاً وقاسياً، يعيش معها تحت العذاب المستمر.

فنحن نعيش في وسط سحابة مرضية الكترونية إشعاعية لا يمكننا التخلص منها، وتتعرض أجسامنا لغيمةٍ كثيفةٍ من الأشعة الكهرومغناطيسية التي تسقط علينا في كل ثانية من مصادر لا تُعد ولا تحصى، فهناك الأشعة المنبعثة من أبراج الهواتف النقالة وأبراج الإنترنت، وهناك البث التلفزيوني والإذاعي وأجهزة الرادار، وهناك الأجهزة الكهربائية المنزلية.

وعلاوة على ذلك، فالهواء الذي نستنشقه ونحن في منازلنا، أو في الخارج مليء بالمواد الكيميائية الخطرة التي تنبعث من المواد والمنتجات المنزلية ومن السيارات والمصانع وغيرها من المصادر، والمواد الغذائية النباتية التي نأكلها لا يعلم أحداً عن مصدرها من حيث الأسمدة والمبيدات المستخدمة لزراعتها، أو نوعية التربة التي زرعت عليها، كذلك الحال بالنسبة للحوم الحيوانية المستوردة.

ولذلك مع كل هذه المصادر الضارة التي لا نستطيع أن نتجنبها مهما اتخذنا من احتياطاتٍ احترازية، يُعرض الإنسان نفسه طوعاً ورغبة جامحة منه لأشعة سامة بمقدوره أن يبتعد عنها، وهذه هي الأشعة البنفسجية الخطرة التي يرقد تحتها الإنسان، وهو في غاية السعادة والرضا أثناء عملية ”التانينج“، أو صباغة لون الجلد باللون الذهبي، أو البرونزي الأسمر.

ومما يؤسف له أن التانينج أصبح منذ سنوات من الممارسات الدورية للكثير من النساء والرجال إلى حدٍ سواء في معظم دول العالم، وبخاصة عند المراهقين، بل وتحول إلى هوسٍ وجنون عند البعض من المراهقين وفي سنٍ مبكرة جداً، والكثير منهم أدمن على هذه العادة، فقد بلغ عدد الأمريكيين الذين يقومون بالتانينج بشكل دوري نحو 30 مليون، 23 منهم من المراهقين. ومما يؤكد على ذلك الدراسة المنشورة في أبريل 2010 في مجلة طبية متخصصة في أمراض الجلد هي أرشيف أمراض الجلد(Archives of Dermatology) تحت عنوان: ”الإدمان للتانينج في البيئات الداخلية“، حيث أفادت الدراسة التي أجريت على طلاب إحدى الجامعات الأمريكية أن عمليات دباغة الجلد وتحويله إلى اللون الأسمر يؤدي إلى الإدمان بسبب الشعور النفسي الذي يحس به الإنسان من حيث الراحة والطمأنينة والشعور بالجمال وزيادة الرضا والثقة بالنفس.

فهذه الظاهرة التجميلية التي يلهث الإنسان وراءها، لها على المدى البعيد مخاطر وسلبيات كثيرة تفوق ايجابياتها المتعلقة بالمظهر العام، من حيث تغيير لون الجلد وإضفاء نوعٍ من الجمال المصطنع على البشرة، ولذلك شكلت منظمة الصحة العالمية لجنة متخصصة في أبحاث السرطان مكونة من 20 عالماً من تسع دول، تهدف إلى إجراء دراسة معمقة وشاملة لسلبيات التعرض لهذه الأشعة عند عملية التانينج. فقد قامت اللجنة بحصر ومراجعة كافة الأبحاث العلمية المتعلقة بالتعرض للأشعة فوق البنفسجية المستخدمة في صالات التانينج، حيث أكدت على أن عملية التانينج تزيد من احتمال الإصابة بسرطان الجلد بنسبة تزيد عن 75%، وبخاصة سرطان الميلانوما(melanoma)، وهو أخطر أنواع سرطان الجلد، كما أشارت اللجنة على أن كافة أنواع الأشعة البنفسجية تضر بالإنسان وتزيد من درجة إصابته بحرق الجلد والأورام السرطانية.

واستجابة لهذه الدراسات الموثقة، قامت إدارة الغذاء والأدوية بالولايات المتحدة الأمريكية بوضع قيودٍ أكثر صرامة على عملية التانينج، وبخاصة بالنسبة لصغار السن لمنع تعرضهم للإشعاعات، كما قامت هذه الإدارة ومنظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية لأبحاث السرطان في يوليو 2010 بإعادة تصنيف عملية التانينج إلى ”مسرطن للإنسان“ بدلاً من ” محتمل الإصابة بالسرطان“، ووضعت أسرة التانينج ضمن قائمة المواد المسرطنة، مثل دخان السجائر والبنزين.

ولذلك نجد أن هناك إجماعاً في المجتمع الدولي الصحي حول الأضرار الصحية الناجمة عن التعرض الطوعي لهذه الأشعة فوق البنفسجية، وأتمنى من الجهات المعنية في بلادنا النظر إلى صالونات التانينج واتخاذ إجراءات مناسبة تتوافق مع قرارات المجتمع الدولي الطبي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق