الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

البيئة تهدد أمن الدول

في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم كَتبتُ مقالاً طويلاً تحت عنوان: “البيئة تسقط إمبراطورية”، وكنت أقصد بذلك الإمبراطورية الشيوعية التي امتدت أجنحتها إلى العديد من الدول الأوروبية وغير الأوروبية، وحكمتها بالحديد والنار، ووضعت عليها ومن تحتها وأسفل منها ستاراً وجداراً حديدياً لا يستطيع المراقب مشاهدة ما يدور بداخلها.

ولكن هذه الجدار الحديدي لم يدم طويلاً، فسرعان ما هوى وسقط، وانكشفت عورتها وسوءتها، فانهارت الإمبراطورية الشيوعية برمتها، فبرك الجسد على الأرض جثة هامدة، وتفتت أعضاؤه إلى قطع صغيرة متناثرة.

فَطرحتُ حينها فرضية وسؤالاً هو: هل أسهمت البيئة وهمومها، إضافة إلى العوامل الأخرى في تمزيق شمل هذه الإمبراطورية؟

وكان جوابي بأن هناك أسباباً كثيرة أدت إلى تفتيت الجسد الشيوعي، فقد أُلفت كتب كثيرة تُحلل هذه الأسباب، ولكن في المقابل غفل الكثير عن سببٍ مهمٍ اعتقد بأن له دوراً، وأسهم بدرجة ما في تدمير بناء الإمبراطورية الشيوعية.

فهناك أسباب خارجية متمثلة في التنافس الحميم بين قطبي القوة في ذلك الوقت للسيطرة والتحكم في القرار على المستوى الدولي، والحرب الباردة التي دارت بينهما طوال سنوات طويلة، وهناك أسباب داخلية تمثلت في تدهور أحوال شعوب الدول التي رضخت تحت الحكم الشيوعي من الناحية السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية.

وعلاوة على ذلك كله، كان هناك العامل البيئي الذي ساهم مع باقي العوامل الأخرى في زيادة تراكم وتضخم المشكلات التي يعاني منها الناس، فالتلوث البيئي في الماء والهواء والتربة وصل إلى درجةٍ لا يمكن تحملها والسكوت عنها، وانعكس هذا التدهور المزمن في مكونات البيئة على صحة الناس وإِصابتهم بشتى أنواع الأمراض الفتاكة والقاتلة، فكل هذه الأسباب والعوامل تجمعت معاً وأدت إلى انهيار هذا الجسم الكبير.

فكانت نظريتي في ذلك الوقت أن المشكلات البيئية لها علاقة مباشرة بأمن البلد واستقراره، وقد تؤدي إلى زعزعة الأمن، وفي نهاية المطاف إلى سقوط الحكومات والدول.

ولكنني ومن خلال مراقبتي ومتابعتي للتغيرات السياسية والأمنية التي طرأت على حكومات الدول خلال العقدين الماضيين، أثبتتُ صِدقَ نظريتي، فتحولت الآن في تقديري إلى حقيقةٍ علميةٍ بيئية لا بد من رجال السياسة وحكومات الدول التنبه إليها.

 وربما الاضطرابات والمظاهرات البيئية التي شهدتها بعض مناطق الصين في الأيام الأخيرة تُقدم حالة جديدة تؤكد حقيقة العلاقة بين القضايا البيئية والأمن الداخلي في الدول.

فالمشكلة البيئية عادة ما تبدأ صغيرة وفي نطاق جغرافي ضيق، ولكن إذا ما أُهملت مع الزمن، تتفاقم تأثيراتها السلبية على مكونات البيئة أولاً، ثم على الأمن الصحي للإنسان، وعندها يبدأ الإنسان بتحركات شعبية دفاعاً عن صحته وبيئته، وتظهر على شكل احتجاجات ومظاهرات سلمية، ولكن إذا لم تستجب الحكومات لحل هذه المشكلة البيئية الصحية، فتتحول إلى مظاهرات عنيفة لا تحمد عقباها.

ففي الصين غضت الدولة عينيها لعقود عن المشكلات البيئية وشكاوى السكان حول تدهور الوضع البيئي، وتجاهلت الانعكاسات الصحية التي ظهرت على الناس بسبب تعرضهم للملوثات البيئية، فاضطر هؤلاء الناس إلى الخروج احتجاجاً على الوضع البيئي والصحي، وفي بعض المظاهرات اشتد غضب الناس ومارسوا جميع وسائل العنف والتدمير. وآخر هذه المظاهرات العنيفة كان ضد التلوث الناجم عن مصنعٍ للألواح الشمسية، حيث داهم المتظاهرون هذا المصنع وأغلقوا أبوابه.   

فهذه الحقيقة البيئية أُقدمها على شكل معادلة من طرفين، الأول هو وجود المشكلات البيئية الصحية، والطرف الثاني هو أمن الدولة واستقرارها، فالأوضاع البيئية السيئة تسهم بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في زعزعة الأمن القومي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق