الأحد، 27 نوفمبر 2011

أمريكا ترمي ببقايا جنودها في الزبالة!


إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدفن جنودها الذين ضحوا بحياتهم فقاتلوا من أجلها وحمايةً لمصالحها القومية في مواقع دفن المخلفات الصلبة مع الزبالة وبقايا الطعام، والمخلفات البلاستيكية والورقية، ونفايات المعلبات المعدنية، والمخلفات الطبية، فماذا تتوقعون أن يفعلوا بحكام وشعوب العالم إذا انتهت صلاحيتهم، وأصبحوا عبئاً عليها، وورقة لا فائدة منها ولا يمكن المساومة عليها؟

إن هذا فعلاً ما حدث في هذه الدولة الديمقراطية العظيمة التي تُلقي خطاباتها التوجيهية والإرشادية للدول الأخرى فتحثهم على الالتزام بالمبادئ والقيم الإنسانية والأخلاقية، فهي نفسها التي ألقت بفلذات أكبادها وأبنائها من الجنود الأمريكيين الذين قاتلوا في العراق وأفغانستان بعد حرقهم في الفترة من 2003 إلى 2008 في موقعٍ لدفن القمامة والمخلفات الطبية في مدينة كينج جورج بولاية فيرجينيا(King George County)، وقامت بالتعاقد مع إحدى شركات التخلص من المخلفات للقيام بهذه المهمة!

فقد كانت هذه العمليات المُخزية تُرتكب في جنح الظلام وفي سرية تامة لا يعلم عنها أحد ولمدة ست سنوات، حتى تم فضحها مؤخراً من قبل الصحافة الأمريكية وعلى رأسها صحيفة واشنطن بوست المرموقة.

فمنذ سنوات وأُسر وعوائل الجنود المحاربين يبحثون عن أحبائهم وأقاربهم الذين لم يرجعوا إلى بيوتهم بعد انتهاء فترة خدمتهم، أو يستفسرون عن الأعضاء التي فقدوها أثناء الحرب في أفغانستان والعراق، ولكن لم يجدوا آذاناً صاغية من المعنيين تُشفي غليلهم فتَدلهم على مواقع وجود هؤلاء الجنود المفقودين، فاضطروا إلى رفع هذه القضية إلى الصحافة وإلى من يمثلونهم في الكونجرس، مثل النائب الديمقراطي من ولاية نيو جيرسي(New Jersey) رش هولت(Rush Holt)، الذي كتب خطاباً في سبتمبر من العام الجاري إلى وزير الداخلية ليون بانيته(Leon Panetta) وإلى وزارة الدفاع، يستفسر عن الممارسات التي تَجْري في قاعدة دوفر للقوات الجوية( Dover Air Force Base) في مدينة ديلاوير(Delaware)، والمتعلقة برمي بقايا أجسام الجنود الذين قتلوا في العمليات العسكرية خارج الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هذا النائب لم يتلق أي رد من وزارة الداخلية أو من البنتاجون، حتى نَشَرت صحيفة الواشنطن بوست سلسلة من التقارير تفضح هذه الممارسات المشينة في 10 نوفمبر تحت عنوان:“الخـِزْي، الجيش الأمريكي يرمي أجسام الموتى من الجنود في مواقع الدفن".

ثم جاء تقرير المحطة الإخبارية الـ سي إن إن في 10 نوفمبر وعنوانه:“الرماد من بقايا الجنود يذهب إلى الدفن”، وتقرير آخر في صحيفة نيويورك ديلي نيوز(New York Daily News)تحت عنوان:“عمال قاعدة القوات الجوية يرمون بقايا الجنود في مواقع الدفن”. وبعد هذا نُشرت تقارير في صحف بريطانية منها صحيفة التلجراف(The Telegraph) التي كتبت خبراً في 14 نوفمبر تحت عنوان: “بقايا الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق ترمي في مواقع دفن المخلفات”، وصحيفة الديلي ميل(Dailymail) التي نشرت تحقيقاً تحت عنوان:“الجنود الأبطال يُرمون في الزبالة”. كما كتبت النشرة الخاصة بأخبار المحاربين الأمريكيين خبراً عنوانه:“بقايا الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق تُرمى في مواقع دفن المخلفات”.

وبعد أن فاحت الرائحة النتنة لهذه الفضيحة في جميع وسائل الإعلام، اعتَرفتْ الجهات المعنية في قاعدة دوفر للقوات الجوية التي تعتبر المحطة الأولى لاستقبال ضحايا الحروب، على أنها تقوم بمثل هذه الممارسات منذ قرابة ستة أعوام، وأنها ستتعامل في المستقبل مع هذه الجثث وبقايا الجنود بطريقة أفضل. وجدير بالذكر أن وزارة الدفاع كلفت الجنرال المتقاعد جون أبوزيد في 22 نوفمبر للتحقيق في هذه الفضيحة ومراجعة كافة العمليات التي تجري في هذه القاعدة الجوية ذات العلاقة بأسلوب التعامل مع موتى الحرب. 

فماذا يا ترى سيكون شعورك عندما تعلم أن أباك أو ابنك أو زوجك أو أي من أقاربك الذي سقط من أجل الوطن وخاطر بحياته دفاعاً عنه وضحى بأغلى ما يملك، قد رُمي مع باقي المخلفات في مواقع الدفن؟

هذا الإحساس بالإهانة وقلة الاحترام وانعدام التقدير لأبطال وحماة الوطن جاء من قلبِ زوجة أمريكية كانت تبحث عن زوجها المقتول في العراق لأكثر من أربع سنوات، حيث قالت بحرقة شديدة وألمٍ عميق لا يمكن وصفه بأن: “عَزائي وراحة بالي في فقدان زوجي كان في أنه قد تم التعامل مع جثته باحترام وتقدير ومحبة، ولكن هذا الشعور تحطم وانهار عندما علمتُ بأنه قد رُمي في الزبالة”. 

وهذه المعاملة السيئة للجنود بعد رجوعهم من أرض المعركة مازالت مستمرة ولكن في جوانب أخرى، حيث إن الكثير منهم لا يجد عملاً يسد قوت يومه، أو يوفر له سكناً كريماً، فيضطر إلى السكن تحت الجسور وفي الأنفاق المظلمة أو في أنابيب المياه المهجورة، وقد كشف تقرير الواشنطن بوست في 14 نوفمبر عن هذه الحقيقة، حيث نقل التقرير وقائع الاحتفال الذي أقيم في مدينة نيويورك لجمع التبرعات والمعونات لهؤلاء المحاربين القدامى الذين لا ملجأ لهم سوى الطرقات، بعد أن هجرتهم السلطات الحكومية الرسمية ورمتهم في الشوارع كما رمت بقايا أجسادهم في الزبالة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق