الجمعة، 18 يوليو 2014

كيف تَقْتُل أدويتُنا الإنسان والطير؟



قصةٌ واقعية حدثت مؤخراً وتحتاج مِنا إلى وقفة تأملٍ وتفكر، فقد قام الأطباء البيطريون في بعض دول جنوب آسيا مثل الهند وباكستان وبنجلادش والنيبال باستخدام دواءٍ معروف للبشر اسمه دايكلوفِينَك(diclofenac) يستخدم لعلاج الالتهابات والآلام التي تصيب الحيوانات والمواشي بشكلٍ عام، وبعد أقل من عشر سنوات من حقن الحيوانات بهذا الدواء، انخفضت أعداد العِقْبانٌ في هذه الدول، وبخاصة في باكستان بنسبةٍ مخيفة بلغت 99.9%، أي أنه حدث انهيار شامل، وتدمير كامل ومفاجئ لطائر العقاب من هذه البلدة، فأدخله ضمن قائمة الطيور شبه المنقرضة!

فماذا وقع لهذا الطائر الجميل الفريد من نوعه؟ وهل وقعت مذبحة جماعية بسبب قنبلة تدمير شامل أُنزلت على هذه الطيور؟

إن ما حدث بالفعل يؤكد جهل الإنسان العميق بالكثير من شؤون دنياه، ويبين قِلة علمه بمصير المواد الكيميائية التي يستعملها بشكلٍ يومي، سواء أكانت على شكل أدوية وعقاقير تُستخدم للإنسان والحيوان، أو على شكل مواد كيميائية ومنتجات نستعملها في منازلنا ومكاتبنا، أو كملوثات تنبعث من المصانع ومحطات توليد الكهرباء والسيارات والطائرات.

فهذه الكارثة التي نزلت على هذا النوع من الطيور تثبت أن على الإنسان إجراء دراسات معمقة وشاملة ومتكاملة لكل مادة كيميائية قبل أن يُسمح له باستعمالها، أو إدخالها في بيئته.

فما حدث في دول جنوب آسيا هو أمر بسيط جداً في مظهره الخارجي، وممارسة عادية يقوم بها أي طبيب بيطري، ولكن كانت تداعياتها الواقعية كارثية وخطيرة جداً، فقد استعمل الأطباء البيطريون هذا الدواء المضاد للالتهابات والمسكن للألم لأعدادٍ كبيرة من المواشي، وبعد موت هذه الحيوانات ترُكت جثثها في المزارع والحقول الواسعة الانتشار، فجاءت طيور العقبان لتأخذ وجبتها اليومية وتتغذى عليها، حيث إن هذه الطيور تعمل في هذه الحالة بشكلٍ طبيعي فطري كعمل البلديات في المدن، أو كمكنسة كهربائية سريعة وفاعلة، وهي إزالة المخلفات من الشوارع والطرقات والحقول وتنظيفها بشكلٍ كامل، فكل حيوان يموت طبيعياً في البراري والغابات، تأتي هذه الطيور وتلعب دورها ضمن النظام الطبيعي البيئي فتأكل هذه الجثث قبل أن تتعفن وتتحلل وتكون مصدراً للأوبئة والأمراض لمجتمع الحياة الفطرية والناس إلى حدٍ سواء.

فعندما أكلت هذه الطيور الحيوانات التي عولجت بدواء الدايكلوفِينَك، دخل هذا الدواء في أجسامها فأُصيبتْ مباشرة بأمراضٍ متعلقة بالكلية، مما أدى إلى سقوطها صريعة ميتة بأعدادٍ مهولة لا يمكن تجاهلها، بحيث إنها خلال سنوات معدودة كتب اسمها في قوائم الطيور التي توشك على الانقراض.

وفي السياق نفسه فهناك الأدوية والهرمونات بأنواعها المختلفة الكثيرة التي تُعطي للحيوانات مثل المضادات الحيوية وهرمونات النمو وغيرهما، فهذه المواد الكيميائية، أو بقايا تحلل هذه المواد الكيميائية تنتقل إلينا مباشرة عند تناولنا للحوم والدواجن، وتأثيراتها وانعكاساتها السلبية لا شك بأنها عظيمة على أمننا الصحي ولا يمكن في هذه المرحلة معرفتها بدقة من ناحية حجم ونوعية الضرر الصحي الذي سيلحق بنا وبأولادنا وأحفادنا، فالدراسات العلمية بدأت تـُحذر منذ زمنٍ قريب وبشدة من الإفراط والإسراف في استخدام الأدوية والعقاقير والهرمونات، وتؤكد هذه الأبحاث الطبية والبيئية على أهمية إجراء دراسات مستفيضة وشاملة حول تأثير هذه المواد على أعضاء جسم الإنسان المختلفة، سواء أكانت هذه التداعيات مباشرة وقصيرة المدى، أو أنها ستكون تداعيات غير مباشرة وسنعاني منها بعد فترة طويلة من الزمن من حياتنا أو حياة الأجيال اللاحقة.

وإنني على يقين من التجارب والخبرات السابقة أن هذه الأدوية والمواد الكيميائية الأخرى التي تعطي للحيوانات تحت مسميات مختلفة ستنعكس علينا عاجلاً أم آجلاً، كما انعكست على العقاب، وستكون تداعياتها أمراضاً مزمنة لا يعلمها إلا رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق