السبت، 26 يوليو 2014

شركات التبغ تتحد لقتل البشرية



إمبراطورية جديدة تكونت قبل أيام، ولكنها ليست إمبراطورية لخير البشرية، ورفاه الناس، وتحسين أحوالهم وتطوير سبل معاشهم، وليست إمبراطورية لإعمار الأرض وتشييدها وبنائها، ولكنها إمبراطورية شيطانية لنَشر الشر بين بني البشر، وإنزال الأمراض المستعصية والمزمنة عليهم، وتعريضهم للهلاك والموت المبكر.


 


فقد نقلت وسائل الإعلام مؤخراً خبراً مهماً جداً يتلخص في أن شركة رينولدز الأمريكية العملاقة للتبغ(Reynolds American Inc's)، وهي ثاني أكبر شركة أمريكية لصناعة السجائر ستقوم بشراء ثالث أكبر شركة عملاقة أمريكية أخرى للتبغ هي لوريلارد(Lorillard Inc) وبمبلغ مالي كبير هو 25 بليون دولار، أي بعبارةٍ أخرى اندماج واتحاد أكبر شركتين للتبغ وإنتاج السجائر في أمريكا، بعد مجموعة ألتريا(Altria) التي تُعد أكبر شركة حالياً في السوق الأمريكية وتصنع السيجارة المعروفة منذ مئات السنين وهي مالبورو.



 



وبهذه الصفقة تستحوذ شركة رينولدز على السجائر التي تحتوي على نكهة المنثول(menthol)، أو النعناع ذات الشعبية العالية والمتزايدة في أمريكا، إضافة إلى الحصول على حصة الأسد من سوق بيع السجائر الإلكترونية.



 



وفي السياق نفسه قامت شركة بريطانية هي إمبريل بريطانيا للتبغ(Imperial Tobacco of Britain) والتي تُصنَّف رابع أكبر شركة على المستوى العالمي بشراء شركات أخرى صغيرة منها المـُصنعة للسجائر الإلكترونية مثل شركة بلو(Blu) الأمريكية، وهي أفضل شركة لإنتاج السجائر الإلكترونية.



 



وعند النظر بعمق إلى عمليات الدمج والاتحاد بين شركات التبغ والسجائر، أجد أنها تأتي ضمن إستراتيجية واحدة تتمثل في مواجهة الانخفاض المستمر في تدخين السجائر التقليدية بأنواعها المختلفة على المستوى الدولي، والذي بلغ 4% عام 2013، إضافة إلى تعويض الخسائر الكبيرة التي تعاني منها شركات التبغ بسبب عزوف الناس عن التدخين في مجالات أخرى جديدة، ومن خلال فتح أبوابٍ ومشاريع حديثة، وإبداع منتجات حديثة تواكب إنسان القرن الحادي والعشرين، وتتماشى مع التطور التقني الذي يشهده الإنسان. كذلك فإن خسائر شركات التدخين تأتي من جانبٍ آخر وهو عشرات الآلاف من القضايا المرفوعة ضدها في المحاكم في كل دول العالم والتي تُكبدها مبالغ مالية طائلة، آخرها القضية التي رفعتها أرملة في ولاية فلوريدا الأمريكية لموت زوجها من مرض السرطان بسبب التدخين، حيث أمرت المحكمة شركة رينولدز للتبغ بدفع تعويضات مالية بلغت 23.6 بليون دولار. 



 


ونتيجة لهذه المتغيرات الجديدة والمستجدات الحديثة في واقع التدخين عند الناس، جاءت عملية الدمج والاتحاد بين الشركات كواقع مفروض عليهم ليستمروا في البقاء على قيد الحياة وتحقيق النمو الاقتصادي والأرباح الوفيرة، فعلميات الدمج هذه تقلل بشكلٍ مشهود من المصاريف والنفقات العامة، وتُخفض بدرجةٍ ملموسة من كُلفة التشغيل.


 


وفي السياق نفسه كان لا بد أيضاً من تقديم منتجات إبداعية حديثة للناس وتصويرها أنها "موضة القرن الحادي والعشرين"، وأنها آخر صيحةٍ في عالم السجائر وتساعد المدخن على العزوف عن التدخين ولا تسبب له الأضرار الصحية والبيئية التي كانت تسببها السجائر التقليدية. فكان هذا المـُنتج السحري هو "السجائر الإلكترونية"، حيث بلغت مبيعاتها قرابة بليونين دولار سنوياً في أمريكا، ونحو عشرة بلايين على المستوى الدولي، وهذه السجائر تُقدَّم إلى الناس بأكثر من 7764 طعماً ونكهةً ورائحة مختلفة حسب الأذواق والرغبات والميول الأهواء الشخصية المتنوعة، منها النعناع والفواكه بكل أنواعها والشكولاتة والفانيلا والحلويات والقهوة والشاي، وهذه الأرقام من ناحية عدد أنواع السجائر والنكهات الفريدة من نوعها في ازدياد مطرد يصل إلى 250 نكهة جديدة شهرياً وليس سنوياً!


 


فشركات التبغ الآن تستغل الفرصة السانحة لها لوجود فراغٍ تشريعي لإبداع ونشر الإعلانات المؤثرة على فئة الشباب خاصة في كل أنحاء العالم وجذبهم وتحفيزهم نحو تدخين السجائر الإلكترونية،حسب المقال المنشور في النيويورك تايمس الأمريكية في 22 يوليو، حيث إن كل دول العالم تسمح حتى الآن بعرض الدعايات الخاصة بهذا النوع الجديد من السجائر.


 


فكما أن شركات التبغ تُوحد قواها لمواجهة التحديات التي تقف في طريقها، علينا نحن أيضاً أن نُشدد الرقابة عليها، ونَكُون أشد حزماً في سَن وتنفيذ التشريعات المتعلقة بالتدخين.


 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق