السبت، 5 يوليو 2014

وأَرْسلنا الرياح لواقِح، ظاهرة سلبية أم إيجابية؟



لم يخلق الله سبحانه وتعالى أي مخلوقٍ عبثاً، سواء أكان من الكائنات الحية كالإنسان والحيوان والنبات، أو كان من المخلوقات غير الحية كالرياح، والجبال، والبحار، والصحاري، والثلوج وغيرها، فلكل منها دور ووظيفة ومهمة يقوم بها ضمن الأنظمة البيئية التي يتواجد فيها، وقد اكتشف عقل الإنسان على مر السنين مهمة ووظيفة الكثير من هذه الكائنات، ومازال حتى يومنا هذا يسبر غور أسرار وجود الآلاف من الكائنات الأخرى الموجودة في الأعماق السحيقة والمظلمة من المحيطات، أو في البيئات الثلجية القارسة البرودة وعلى مسافات بعيدة ونائية عن أي نشاطٍ بشري.

فعلى سبيل المثال، لا الحصر اكتشف العلماء دور حركة وجريان الرياح من منطقةٍ إلى أخرى في القيام بوظيفةٍ محددة تتمثل في عملية التلقيح الطبيعي، فمنها نَقل حبوب اللقاح إلى أعضاء التأنيث في أزهار النباتات ليتم الإخصاب وتكوين الثمار، ومنها تلقيح السحب بذرات الماء حتى تمتلأ وتُنزل مطراً، مصداقاً لقوله تعالى:"وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ".

ولكن في الوقت نفسه فإن هذه الريح المباركة الطيبة التي يرسلها رب العالمين ويسخرها لتؤدي دوراً حيوياً للإنسان وتقوم بوظيفة مجانية لا يمكن الاستغناء عنها، أصبحت الآن في بعض الأحيان شراً للإنسان وتقوم بدورٍ بغيضٍ غير مرغوبٍ فيه، فهي كما أنها تحمل الخير والعطاء للنباتات والسحب، فإنها أيضاً تحمل معها كل ما هو موجود في الهواء الجوي من عشرات الآلاف من الملوثات الحيوية والكيميائية التي أطلقناها بأيدينا إلى الهواء الجوي، فتنقلها إلى مناطق ودول لا علاقة لها بهذه السموم القاتلة، ولا توجد بها أصلاً مصادر تنبعث منها هذه الملوثات، فتسبب لهم الأسقام والعلل. 

فمن الأمثلة التي تؤكد هذا الدور السلبي للرياح هي ظهور مرضٍ غريب تم اكتشافه عام 1967 من قِبَل عالمٍ ياباني اسمه كاواساكي فأُطلق عليه مرض كاواساكي(Kawasaki disease)، وهذا المرض يُصيب الأطفال بصفةٍ خاصة في كل أنحاء العالم، ولكن الأشد تضرراً منه هم أطفال اليابان وفي مواسم محددة، فهذا المرض يصيب الطفل بالحمى واحمرار شديد في الجلد وسقوط أظافر الأصابع، وفي حالات حادة يؤدي إلى أعراض أكثر خطورة مثل انسداد الأوعية القلبية، ولكن مازال العلماء في حيرةٍ من أمرهم حول أسباب هذا المرض المجهول. وهناك عدة نظريات طُرحت حول أسباب المرض، آخرها نظرية نُشرت في مجلة "وقائع الأكاديمية القومية للعلوم" في العدد المنشور في يونيو من العام الجاري من مركز أبحاث مرض كاواساكي(Kawasaki Disease Research Center) في جامعة كاليفورنيا في مدينة سان ديجو، حيث يفيد بأن أعداد المصابين بالمرض يرتفع عندما تهب الرياح من مزارع الحبوب المنتشرة على نطاق واسع في شمال شرق الصين، فهي تـَحْمل معها العديد من الملوثات الكيميائية والحيوية منها نوعاً من الفطريات يُطلق عليه كانديدا(Candida) فتسبب مرض كاواساكي.

وفي السياق نفسه هناك أزمة حادة تسببها الرياح بين بعض الدول مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية، حيث إن الرياح تحمل الملوثات الكيميائية الناجمة عن المصانع الصينية فتنقلها إلى المدن اليابانية والكورية الواقعة بالقرب من الحدود الصينية فتمثل تهديداً بيئياً وصحياً للدولتين، مما اضطر هذه الدول بالرغم من وجود عداوات بينهما إلى التعاون لمواجهة خطر هذه الملوثات على الصحة العامة، وذلك من خلال عقد اجتماعات دورية لمناقشة هذه القضية، كان آخرها في 30 أبريل 2014 في مدينة(Daegu) بكوريا الجنوبية.

كذلك تحمل الرياح معها تداعيات الكوارث البيئية التي تقع في بعض دول العالم مثل كارثة تشرنوبيل في أوكرانيا وفوكوشيما في اليابان إلى الكرة الأرضية برمتها عن طريق نقل الملوثات المشعة القاتلة والمسرطنة إلى كل الدول التي تقع في طريق ومسار حركتها، حتى ولو كانت تبعد آلاف الكيلومترات عنها.

ولذلك نجد أن الإنسان ساهم بشكلٍ مباشر في إعطاء دورٍ سلبي للرياح وتحويلها من رياح رحمةٍ وبركة وازدهار إلى رياح نقمةٍ وعذاب وأمراض، وذلك من خلال السماح لآلاف الملوثات الكيميائية والحيوية والفيزيائية من الدخول في الهواء الجوي، ثم قيام الرياح بنقلها من بلدٍ إلى آخر ونزولها إلى الأرض، إِما من خلال المطر والثلج والندى والرطوبة، وإما سقوطها جافة بعد تراكمها مع بعض على شكل جسيمات ثقيلة تنزل على سطح الأرض.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق