الجمعة، 3 أكتوبر 2014

انتشار السرطان في موقع اختبار أول قنبلة ذرية



بعد قرابة 70 عاماً من اختبار الولايات المتحدة الأمريكية لأول قنبلة نووية للدمار الشامل عرفها الإنسان، تَفَرغت الآن الأجهزة الحكومية الأمريكية الاتحادية لدراسة التداعيات الصحية التي أصابت أجيالاً من المواطنين الأمريكيين الذين سكنوا بالقرب من موقع الانفجار العظيم!

فمنذ تفجير هذه القنبلة الهائلة في 16 يوليو 1945 في موقعٍ سري أُطلق عليه موقع اختبار ترينيتي(Trinity Test Site) في جنوب ولاية نيومكسيكو الصحراوية بالقرب من مدينة(Tularosa)، لم تبذل الحكومات الأمريكية المتلاحقة جهوداً شاملة وجادة ومستفيضة للتعرف عن كثب على المردودات الصحية طويلة الأمد التي نجمت عن الملوثات المشعة التي انبعثت إلى الهواء وترسبت على التربة وتعرض لها الآلاف من المواطنين بشكلٍ مباشر وفوري أو بشكلٍ غير مباشر عبر السنين، وتركت بصماتها الملوثة والسامة على الحياة الفطرية بشقيها النباتي والحيواني.

فهذه القنبلة الأولى من نوعها وبقوة بلغت 20 كيلوطناً من الـ تي إن تي، خلَّفت آثاراً مرئية على الأرض وفي السماء، وكتب عنها الذين شاهدوها عن قرب وراقبوا قدراتها التدميرية العظيمة، فأشرقت السماء في لحظة الانفجار بنور برق هذا الحدث التاريخي المرعب، وتلونت السماء باللون البرتقالي ثم الأبيض فشكلت سحباً بيضاء هائلة ومشبعة بالملوثات المشعة والقاتلة وظهرت على شكل فِطرٍ(فقع) كبير ارْتَفَع إلى أعالي السماء، وفي الوقت نفسه سُمع دوي انفجارٍ ضخم يشبه الرعد العظيم هز المنطقة برمتها، وعلى الأرض فقد تسبب الانفجار في تكوين حفرةٍ كبيرة عُمقها أكثر من عشرة أقدام، وقطرها نحو 700 مترٍ.

فهذه الدراسة التي كَتَبَتَ عنها صحيفة وال ستريت جورنل(Wall Street Journal) في 15 سبتمبر من العام الجاري، والتي سيقوم بها المعهد القومي للسرطان ستكون هي الأشمل والأكثر دقة لسبر غور الانعكاسات السلبية الصحية طويلة الأمد على الإنسان الأمريكي، حيث تغطي الدراسة قياس الملوثات المشعة في التربة، والهواء، والغذاء، والمياه، والحياة الفطرية النباتية والحيوانية، وكمية ونوعية الملوثات المشعة التي انتقلت إلى الهواء الجوي، إضافة إلى المقابلات الشخصية مع المواطنين الأحياء منهم.

والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: لماذا تأخرت الولايات المتحدة الأمريكية سبعة عقود طويلة من الزمن لكي تقوم بهذه الدراسة الشاملة؟

والجواب عن هذا الاستفسار في تقديري بسيط جداً، فنظرة سطحية إلى سكان القرى والمدن القاطنين حول منطقة الانفجار، يبين سر هذا التباطؤ الشديد والتأخير الكبير، فسكان هذه المناطق معظمهم من جذور مكسيكية، أو من يُطلقون عليهم بــ"الهِسْبَنـِكْ"، أو الإسبانيين، وهؤلاء من طبقة الأقليات الفقيرة والمستضعفة وغير المتعلمة والذين لا حول لهم ولا قوة، فليس لهم من يدافع عنهم وعن حقوقهم، وليس لديهم المال ليستعينوا بجماعات الضغط في واشنطن أو بالمحامين المرموقين لرفع قضاياهم بالنيابة عنهم، ولا يعرفون المداخل الصحيحة لإقناع رجال السياسة والكونجرس لطرح قضيتهم في أروقة المجالس الفيدرالية، ولذلك بقيت قضيتهم تراوح في مكانها في أرشيف النسيان المتعمد وفي غياهب الكونجرس والمحاكم. وعلاوة على كل هذا، وإمعاناً في إذلالهم ونكران وجودهم كبشر وتجاهلهم كلياً، فقد تم الانفجار في سريةٍ وتكتمٍ شديدين، بحيث إن هؤلاء الضعفاء والفقراء الأمريكيين لم يُشعروا بتاتاً بهذه القنبلة المدمرة، ولم يتم إخلاؤهم من منازلهم أو حتى تحذيرهم بأي صورةٍ من الصور، أي أن أمريكا العظيمة ولدواعي ما يُطلق عليه بــ"الأمن القومي"، سَمحتْ عمداً لتعرض شعبها للإشعاع القاتل، وبعبارةٍ أخرى قتلت شعبها بيدها!

وبالرغم من كثرة الشكاوى ورفع الصوت والقلم عن آلام ومعاناة هؤلاء الأمريكيين، وازدياد الإصابة بحالات السرطان الغريبة بينهم، إلا أن الحكومات الأمريكية على مدى 70 عاماً كانت مشغولة عن مواطنيها في الداخل بالدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق الأقليات في دول العالم الأخرى ورفع الظلم والقهر عن الشعوب في مناطق غير الولايات المتحدة الأمريكية!  

فهذه هي حقيقة أمريكا لمن لا يعرفها، أو يغتر بها ويعتمد عليها في تحقيق أمنه القومي، فهم لا يرقُبون في أحدٍ إلاً ولا ذمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق