الجمعة، 17 أكتوبر 2014

السباحة وسط المخلفات



المخلفات الصلبة بأنواعها وأشكالها المختلفة الصغيرة والكبيرة تحولت إلى ظاهرة بحرية يمكن مشاهدتها في كل بحار العالم، وأصبحت هذه المخلفات تحتل مساحة واسعة من البيئة البحرية، فهناك الآن خمس مناطق بحرية معروفة تطفو فوقها آلاف الأطنان من المخلفات الصلبة، مثل تلك الموجودة في الجزء الشمالي والجنوبي في المحيط الهادئ ويُطلق عليها بالبقعة العظيمة للقمامة(The Great Pacific Garbage Patch)، وهناك مناطق مشابهة في قلب المحيط الأطلسي يطفو فوق سطحها وفي بطنها وعلى عمق أكثر من عشرة أمتار خليط مما لا يخطر على قلب أحد من أنواع المخلفات، وتبلغ المساحة التي تغطيها هذه المخلفات نحو 16 ألف كيلومتر مربع، أي أكبر من مساحة البحرين بنحو 22 مرة!  

ومن أجل لفت أنظار العالم إلى هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد صحة الحياة الفطرية في البحار، وتُنذر بوقوع كارثةٍ وشيكة على الأمن الغذائي للإنسان، فقد قرر سباح ومحامي معروف من بريطانيا اسمه لويس بيف(Lewis William Gordon Pugh) السباحة في سبعة بحار هي البحر الأبيض، والأسود، والأحمر، وبحر قزوين، وإيجين، وبحر العرب، وبحر الشمال.

وبعد الانتهاء من السباحة قال بأن ظاهرة القمامة البحرية أشد سوءاً مما كنتُ أتصور، وأكثر خطورة على الكائنات البحرية، وحال البحار بشكلٍ عام في تدهورٍ شديدٍ مستمر، وأضاف قائلاً بأنني أصابتني الدهشة مما رأيتُ وصادفتُ أثناء السباحة في هذه البحار، فكأن هذه البحار تحولت إلى سلةٍ واسعةٍ وكبيرة تحوي في بطنها كافة أنواع وأشكال المخلفات التي ربما لا تخطر على بال أي إنسان، فجزء شاسع من هذه البحار تشبع بالقمامة المنزلية والصناعية من إطارات طافية فوق سطح الماء، وأكياس بلاستيكية صغيرة وكبيرة، وعلب زجاجية وبلاستيكية ومعدنية، وأحذية بشرية وملابس وأقمشة قطنية، وعلاوة على هذه المخلفات الصلبة الجاثمة فوق البحر وفي أعماقه، هناك الكائنات البحرية الخطرة التي تكاثرت بدرجةٍ كبيرة حتى امتلأت البحار بها فلا ترى غيرها، وبالتحديد الجيلي فش أو قناديل البحر، والتي تعد الآن من أخطر الكائنات البحرية التي لها انعكاسات في جوانب مختلفة منها الجانب البيئي، والصحي، والاقتصادي، والسياحي.

فهذه المشاهد المزعجة التي رواها هذا العالم بنفسه من خلال المقابلات والمقالات في وسائل الإعلام المختلفة في 28 سبتمبر من العام الجاري، من المفروض أن توقظ وتحرك دول العالم على المستوى الوطني والإقليمي والدولي لحماية ما تبقى من أمن هذه البحار، وصيانة ثرواتها الفطرية النباتية والحيوانية، وخاصة أن هناك دراسة ميدانية نشرها الصندوق العالمي للحياة الفطرية(World Wildlife Fund) في 20 سبتمبر من العام الجاري تحت عنوان: "تقرير كوكبنا الحي لعام 2014"، تؤكد كمياً ونوعياً مشاهدات هذا السباح والعالم البحري، حيث أفادت الدراسة على أن هناك الآلاف من الكائنات الفطرية البرية والبحرية التي فقدت أكثر من نصف أعدادها، وبالتحديد أشارت الدراسة إلى أن هناك 3038 نوعاً من الأحياء في البر والبحر انخفضت أعداها بنسبة 52% في الفترة من 1970 إلى 2010، أي خسرنا نصف كميتها خلال الأربعين سنة الماضية فقط. أما بالنسبة للبيئة البحرية فقد أفادت الدراسة أن الخسائر في أعداد الكائنات البحرية كالسلاحف والأسماك والطيور بلغت 39%.

وعلاوة على هذه الدراسة فقد نشرتْ سكرتارية اتفاقية التنوع الحيوي التابعة للأمم المتحدة التقرير الرابع حول حالة التنوع الحيوي على المستوى الدولي في السادس من أكتوبر تزامناً مع اجتماع التنوع الحيوي في كوريا الجنوبية، وأكد التقرير أن وضع الكائنات الحية البحرية والبرية في أزمةٍ خانقة حقيقة وأن على المجتمع الدولي التحرك سريعاً لعمل "تحالف دولي لإنقاذ الكائنات الحية"، على غرار "التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية"، فهل سنشهد هذا التحالف الدولي من أجل حماية البيئة والحياة الفطرية؟

في تقديري، لا أظن بأن هذا ممكن، فالبيئة ليست أولوية عند كل دول العالم بدون استثناء!   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق