الأحد، 12 أكتوبر 2014

بين اختفاء رابع أكبر بحيرة من على وجه الأرض وخليج توبلي



إقرأوا ماذا فعلتْ أيدي الإنسان الجانية بالبيئة وثرواتها الطبيعية، فهذه الأيدي الآثمة والمعتدية على حرمات البيئة وعلى حقوقها أوشكت على أن تُسبب في اختفاء بحيرةٍ عظيمة من على وجه الأرض،حيث كانت تُعتبر رابع أكبر بحيرة مثمرة ومنتجة في العالم ويعيش حولها أكثر من 60 مليون إنسان، فأدت أيدي الإنسان الظالمة إلى نزول أكبر كارثة بيئية وصحية واقتصادية واجتماعية عرفها الإنسان، فبحيرة كانت مساحتها قرابة 68 ألف كيلومتر مربع، أي  أكبر من مساحة البحرين بنحو 93 مرة، تحولت الآن إلى مستنقعات مائية آسنة متشتتة ومتفرقة وغير مترابطة ولا تزيد مساحتها عن تسعة آلاف كيلومتر مربع فقط، حتى أن البعض من هذه البحيرات الصغيرة نضب ماؤه كلياً، فجفَّ وتصحر، وماتت معه كافة أنواع الحياة البرية والمائية.


 


فماذا فعلت أيدي الإنسان، حتى أدت إلى نزول هذه الكارثة الجامعة على الإنسان وبيئته وأدت إلى انكماش مساحة هذه البحيرات إلى درجةٍ لم يشهد لها التاريخ مثيلاً حتى يومنا هذا؟


 


لقد بدأت مأساة ومعاناة هذه البحيرة في الخمسينيات من القرن المنصرم عندما قرر الاتحاد السوفيتي سابقاً إلى صناعة إمبراطوريةٍ في مجالٍ جديد، بعد أن صنعت لنفسها إمبراطورية كبرى في المجالين السياسي والعسكري، فعزمت على تكوين إمبراطورية زراعية من خلال إنتاج محصولٍ استراتيجي أُطلق عليه في تلك المرحلة التاريخية بالذهب الأبيض، وهو القطن، وتم اختيار منطقة صحراوية جرداء قاحلة واسعة للبدء في وضع اللبنة الأولى لبناء هذه الإمبراطورية الجديدة، وغرس بذرةٍ خبيثة أنتجت شجرة خبيثة أفسدت حياة الإنسان وبيئته، وهي منطقة بحيرة آرال(Aral Sea)الواقعة بين جمهوريتي كازاخستان وأوزباكستان من ولايات الاتحاد السوفيتي في قلب قارة آسيا.


 


فقام خبراء الري والزراعة بحفر قنواتٍ وأخاديد عظيمة في عمق هذه الصحراء الشاسعة، بلغ طولها أكثر من من 47 ألف كيلومتر، وتم ملء هذه القنوات بالمياه العذب الزلال بعد تحريف مجرى نهرين كبيرين هما آمو دريا(Amu Darya) وسير دريا(Syr Darya) واللذان كانا يُغذيان البحيرة بالماء العذب الفرات السائغ شرابه، فكانا بمثابة الشريان الدموي الذي يمد قلب البحيرة بالدم والحياة، فيستمر نبضه وقوته، وتستديم حياة الملايين من البشر والحياة الفطرية في تلك المنطقة المزدهرة والحيوية.


 


ولذلك فإن هذه المياه العذبة التي كانت من قبل تصب في بحيرة آرال العظيمة، أصبحت بدلاً من ذلك تصب بأحجام هائلة ضخمة في قنوات الري لزراعة الذهب الأبيض، ومع الوقت، ومرور الزمن انخفضت مستويات المياه في البحيرة، وارتفعت ملوحتها حتى بلغت أعلى من ماء البحر، ثم انتشر هذا الجرح الغزير في باقي جسمها، فتم بتر أعضائها واحدة تلو الأخرى، فانقطعت أوصالها، وتفتت أعضاؤها، ومزق جسمها العظيم، حتى وصل أخيراً إلى القلب الذي بدأ نبضه ينخفض في كل ساعة، فجاءت فرق الإسعاف والإنقاذ لوضعه في الإنعاش ومحاولة إعادة هذا القلب العليل إلى الحياة، ومازالت هذه البحيرة على حالها تعاني من الموت السريري، ولن تُعيدها إلى الحياة إلا معجزة ربانية تنزل عليها.


 


وفي الحقيقة فإن حال هذه البحيرة يذكرني بحال بحيرةٍ موجودة لدينا في البحرين، وهي خليج توبلي. فهذا الخليج يعاني من أكثر من خمسين عاماً من ظلم الإنسان وتعديه المباشر على حرماته يوماً بعد يوم، فهو يخسر في كل ساعةٍ جزءاً مهماً من جسمه، ويفقد في كل يوم شرياناً دموياً يمده بالحياة والبقاء، فهناك عمليات الدفن التي التهمت من جسمه السقيم الكثير، فأكلت أعضاءه رويداً رويدا، وهناك مياه المجاري ومصانع غسيل الرمل التي تصب في بطنه مياه آسنة ملوثة تدمر صحته وتفسد عافيته، وهناك المخلفات الصلبة التي تلقى على سواحله فتتراكم في بطنه في كل يوم.


 


فخليج توبلي ليس في أحسن حال مقارنة ببحيرة آرال، وكلاهما يحتاج إلى عمليةٍ جراحية عاجلة ومتكاملة تشمل القلب وباقي أعضاء الجسد، حتى يستعيدا جزءاً ولو بسيطاً من عافيتهما وأمنهما الصحي، وإلا فمصيرهما الموت البطيء والهلاك، ولن نسمع عنهما بعد ذلك إلا في كتب التاريخ المعاصر.


 


 


 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق