الأحد، 26 أكتوبر 2014

تناقضات وأكاذيب الحكومة الأمريكية


ما زلت أتذكر خطاب وزير الخارجية الأمريكي كولين باول في مجلس الأمن في الخامس من فبراير عام 2003، والذي لفق فيه الكثير من الاتهامات، وقدَّم العديد من الضلالات حول امتلاك العراق "لأسلحة الدمار الشامل" بكل أنواعها، من نووية وبيولوجية وكيميائية، وأكد فيه قُدرة العراق الخارقة على تدمير العالم برمته، وما زلت أتذكر أيضاً اعتراف كولين باول لهذا الخطاب "المفبرك" الذي اعتبره هو نفسه وصمة عارٍ في تاريخه المهني، حيث قال في مقابلة تلفزيونية في 13 يونيو 2012: "أنا بالطبع آسف عن الخطاب الذي ألقيته، وآسف لأن الكثير من المعلومات التي قَدَّمتُها كانت خاطئة".

 

فتصورا أمة قد احتلت، ودُمرت، ومات مئات الآلاف منهم، وجُرح الملايين وشردوا حتى يومنا هذا بسبب تقديم معلوماتٍ "مفبركة" وخاطئة من الحكومة الأمريكية، ولم يجرؤ أحد على محاسبتهم، أو حتى توبيخهم على هذا الكذب المـُــتَعمد، بل وكأنها لم تقع في تاريخنا المعاصر وأمام أعيننا وأسماعنا.

 

وللأسف الشديد أن هذه المسرحية المأساوية تتكرر أمامنا مرة ثانية، وبالمشاهد نفسها، ولكن تحت مسمى جديد وعنوان آخر، وهو داعش أو تنظيم الدولة الإسلامية، فتقوم أمريكا بتخويفنا وإرهابنا من هذا العدو الشرس الذي يقتحم المدن ويلتهمها واحدة تلو الأخرى، فتنفخ يوماً بعد يوم في تضخيم قدراته، وتفخيم إمكاناته اللامتناهية المالية والعسكرية والبشرية، وتُلقي في قلوبنا الذعر من استخدام هذا العدو "لأسلحة الدمار الشامل"، ومنها استخدام داعش للسلاح الكيماوي ممثلاً في غاز الكلور، حسب التقرير المنشور في صحيفتي النيويورك تايمس والواشنطن بوست في 24 أكتوبر من العام الجاري، حيث أفاد التقرير بأن الحكومة الأمريكية تدقق في ما إذا كان داعش استخدم قنابل كيميائية في العراق أم لا.

 

ولذلك لو دققنا في الحالتين، لوجدنا أن العامل المشترك الذي بَرَّر إعلان الحرب والغزو الأمريكي والتدخل الأجنبي هو امتلاك تلك الدولة لـ"أسلحة الدمار الشامل"، وكأن امتلاك هذا النوع من السلاح يُعد عند أمريكا والمجتمع الدولي سبباً شرعياً كافياً لإعلان الحرب على هذه الدولة واحتلالها رسمياً وبمباركة مجلس الأمن ودول العالم.

ولو سلَّمْنا جدلاً صحة هذه المعادلة وشرعيتها، فمن المفروض تطبيقها على كافة الدول التي تمتلك الآلاف من أسلحة الدمار الشامل بكل أنواعها وأشكالها، وليس المقصود هنا فقط القنابل النووية والبيولوجية والكيميائية، أو الصواريخ الجوية والبحرية ذو الرؤوس النووية، وإنما أقصد هنا ما أُطلق عليه بــ "مخلفات الدمار الشامل"، أو "القنابل الإشعاعية الموقوتة" والمخزنة بكميات هائلة وبطرق غير سليمة صحياً وبيئياً في جميع الدول النووية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. 

      

فأمريكا، على سبيل المثال لا الحصر منذ شروعها في مشروع منهاتن المشئوم والذي أدى إلى صناعة أول قنبلة ذرية ألقتها أمريكا على اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية، وهي تولِّد في كل ساعةٍ أطناناً من المخلفات الصلبة وشبه الصلبة شديدة الإشعاع والانفجار، سواء أكانت من الأنشطة العسكرية، أو من المفاعلات النووية الكثيرة والمستخدمة لتوليد الطاقة الكهربائية، وكل هذه المخلفات الخطرة والقاتلة مازالت تتراكم منذ ذلك اليوم وتخزن في مواقع غير آمنة وغير مستقرة، وطوال هذه السنوات التي وصلت إلى نحو 75 عاماً، لم تحرك أمريكا ساكناً، ولم تعط هذه القضية اهتماماً يتناسب مع خطورتها وتهديدها الأمني القومي والسلم الدولي، فلم تتخذ حتى يومنا هذا خطواتٍ جادة وجذرية لمعالجة هذه المخلفات المدمرة التي قد تنفجر في أية لحظة فتلوث العالم برمته وتهلك الحرث والنسل، فكل ما قامت به هو تخزينها بصفةٍ مؤقتة في مواقع متعددة في قرابة 30 ولاية، إما تحت أعماق الأرض، أو تكديسها في بركٍ مائية.

 

فالسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه: لماذا لا تكون هذه القضية المتعلقة بـ "مخلفات الدمار الشامل"، كما هو الحال بالنسبة "لأسلحة الدمار الشامل" مدعاة ليس لغزو هذه الدول وإعلان الحرب عليها، وإنما في الأقل أضعف الإيمان، وهو إبداء القلق والاهتمام من المجتمع الدولي برمته، ولماذا لا تُطرح هذه القضية في مجلس الأمن من قبل الدول الأعضاء للتحقيق فيها بعمقٍ وجدية، وللتعرف عن كثب على أبعادها الأمنية والبيئية والصحية؟

 

والجواب بسيط جداً، فمعظم أعضاء مجلس الأمن الدائمين متورطين في هذه القضية الخطرة المـُهددة لسلامة البشرية جمعاء، فدولهم هي التي تمتلئ بمخلفات الدمار الشامل، وأراضيهم هي التي تتكدس تحتها قنابل المخلفات الموقوتة، وبالطبع لن يَطرحَ أي واحدٍ منهم هذه القضية، وإذا ما حاولت دول أخرى طرحها لمناقشتها فقط، فسيتم حتماً إرهابها بطريقةٍ أو أخرى، وإسكاتها كلياً!  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق