الخميس، 30 أكتوبر 2014

الصين تُغلق مصانعها!



عندما تستضيف البحرين اجتماعات مهمة ورفيعة المستوى، ولا سيما عندما تكون على مستوى رؤساء وقادة الدول، فإننا نرى اهتماماً استثنائياً وملحوظاً في الطرق والمناطق التي تمر فيها مواكب الرؤساء، من حيث تعديل وتوسعة بعض الشوارع التي أصابها الخراب سنواتٍ طويلة، وتنظيف وإصلاح الطرق وتجميلها بالنباتات والأشجار الخضراء، وتغيير مصابيح الشوارع التي لا تعمل، وإبداء كافة مظاهر الزينة والجمال على كافة الطرقات الخاصة بمواكب الزعماء، ولذلك نتمنى دائماً تكرار انعقاد مثل هذه المؤتمرات والاجتماعات في بلادنا حتى تظل دائماً نظيفة ومرتبة وخالية من عيوب وخلل البنية التحتية.

ولكن في الصين، وقبيل انعقاد اجتماع قادة وزعماء الأبيك، أو منتدى التعاون الاقتصادي الآسيوي ودول الباسيفيك والذي سيعقد في العاصمة الصينية بكين في الفترة من 7 إلى 11 نوفمبر من العام الجاري، لم نقرأ عن قيام الصين بمثل هذه الاستعدادات العاجلة استقبالاً لضيوفهم، ولم نسمع أيضاً عن اتخاذ الصين لمثل هذه الإجراءات التجميلية والإصلاحية في البنية التحتية، ولكن في المقابل أصدر نائب رئيس الوزراء الصيني زانج جاولي(Zhang Gaoli) في 25 أكتوبر أمراً تنفيذياً غريباً بعض الشيء، ولم نتعود سماعه في مثل هذه المناسبات، حيث قرر إغلاق المصانع والورش الكبيرة خلال انعقاد الاجتماع وحضور ضيوف البلاد وممثلي الدول، وذلك من أجل التأكد من صحة وسلامة نوعية الهواء الجوي وخلوها من الملوثات الضارة بالصحة العامة، وإبعاد شبح انكشاف الضيف الثقيل الذي ينزل على سماء المدن الصينية في أغلب أيام السنة وهو الضباب الضوئي الكيميائي، أو السحب البنية الصفراء اللون، خلال تلك الفترة وأثناء وجود القادة والزعماء والمسئولين المشاركين في اجتماع الأبيك.

فقد أكد نائب رئيس الوزراء الصيني في كلمةٍ ألقاها أن جودة الهواء الجوي أثناء وجود ضيوف الصين ستكون "أولوية الأولويات"، أي أنه قدَّم قضية البيئة والمحافظة على الهواء الجوي وحمايته من الملوثات على كل القضايا الأخرى من سياسية، وأمنية، واقتصادية، مما يؤكد أهمية هذه القضية القصوى وتداعياتها على المجتمع الصيني برمته، وتأثيراتها المباشرة على سمعة وهوية الصين أمام قادة دول العالم، كما يُثبت هذا الاهتمام غير العادي والكبير لنائب رئيس الوزراء الحالة السيئة والمأساوية التي وصلت إليها البيئة في بكين، وبالتحديد بالنسبة للتدهور الشديد الذي أصاب نوعية الهواء وانعكاساته المباشرة على صحة الملايين من المواطنين والمقيمين في الصين. 

ولذلك فالصين مضطرة إلى وضع تحسين جودة الهواء في مقدمة "أولوية الأولويات"، وهي مرغمة ومجبرة كذلك على اتخاذ إجراءات صارمة وخطوات "متطرفة ومتشددة" حفاظاً على سمعة الصين البيئية أثناء وجود القادة ووفود الدول الأجنبية. ومن هذه الإجراءات غير العادية إيقاف المصانع الملوثة للهواء الجوي عن العمل خلال تلك الفترة، وإعطاء إجازة رسمية لموظفي الحكومة، وتقنين حركة السيارات داخل بكين وتشجيع المواطنين على استخدام النقل العام والجماعي بهدف تقليل الازدحام وخفض درجة التلوث في الهواء الجوي.

وهذا الوضع الكارثي الذي وصلت إليها البيئة في الصين، وبالتحديد فساد نوعية الهواء وتدميره لصحة الناس، يُنبهني إلى التعلم من هذا الدرس الصيني القاسي، والاستفادة من هذه الخبرة العملية التي أجدها أمامي، فعلينا في البحرين أن لا نُكرر التجربة التنموية الصينية بجملتها، وإنما نأخذ منها الطيب والحسن، ونترك السيء والرديء، وبالتحديد يجب على تنميتنا في البحرين أن تكون مستدامة، أي نقوم بالعمليات التنموية في جوانب الاستدامة الثلاثة، وهي التنمية الاقتصادية جنباً إلى جنب مع التنمية الاجتماعية والبيئية.

وإذا لم نتعظ بهذه التجربة الواقعية المعاصرة، فلننتظر قريباً أن يَـحِل بنا كما حَلَّ بالصين، وفي الاجتماعات القادمة لزعماء الدول سنضطر أولاً إلى تحسين نوعية الهواء بدلاً من تحسين الشوارع والطرقات! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق