الثلاثاء، 2 فبراير 2016

قريباً سنصطاد البلاستيك من البحر بدلاً من الأسماك!


هل سيأتي علينا اليوم الذي إذا رَمَينا فيه السِنَّارة، أو الخيط، أو الشباك لصيد الأسماك في البحر، فإننا سنصطاد كوباً من البلاستيك، أو ملعقة بلاستيكية، أو أكياساً بلاستيكية بدلاً من الأسماك؟

 

وهل سيأتي علينا زمان إذا وضعنا فيه القراقير في البحر أو الحظرة فكل ما سنحصل عليه ونصطاده هو خليط من المواد البلاستيكية الاستهلاكية التي كُنا نستعملها يوماً ما في السنوات الماضية في منازلنا أو مكاتبنا؟

 

نعم، فهذا اليوم آتٍ قريباً، وهذا الزمان سنَشهدُه جميعاً، فإذا تعمقنا في واقعنا الحالي غير المبَّشر بخير، واسترشدنا بالدراسات الميدانية والأبحاث العلمية حول مشكلة وحجم المخلفات البلاستيكية في البيئات البحرية خاصة، فسنتأكد بأن هذا اليوم قادمٌ لا محالة، ولا مفر منه إذا استمر الحال على ما هو عليه الآن.

 

فقد صدر تحذير قوي من استفحال تراكم المخلفات البلاستيكية في بحارنا في المنتدى الاقتصادي العالمي(World Economic Forum) في 19 يناير من العام الجاري من عالمة كرَّست حياتها في متابعة مصير المخلفات البلاستيكية التي نلقيها يومياً بعد الانتهاء من استعمالها، وهذه الباحثة هي إلن ماك آرثر(Ellen MacArthur) التي نَشَرتْ تقريراً مفصلاً في المنتدى الاقتصادي، وأكدتْ فيه أن البحار والمحيطات تحولت إلى مقبرة جماعية للمخلفات البلاستيكية، وأفادت أن معظم المخلفات التي نتخلص منها يومياً يكون مثواها الأخير في البحار، فإما أن تكون على السواحل القريبة، وإما أنها تسرح وتمرح ذهاباً وإياباً فوق سطح البحر، وإما أنها مع الوقت تغوص في أعماقه فتجثم في التربة القاعية، كما أفاد التقرير بأنه بحلول عام 2050 سنشاهد المخلفات البلاستيكية في البيئة البحرية أكثر من مشاهدتنا للثروة البحرية الحية من أسماك وغيرها من الكائنات الحية.

 

فهذا التقرير يستقي استنتاجاته من الواقع المؤسف الذي تعاني منه البيئات البحرية ومن الحقائق المتعلقة بإنتاج واستهلاك البلاستيك في كل دول العالم، فمنذ الأربعينيات من القرن المنصرم عند الشروع في صناعة المنتجات المصنوعة من البلاستيك وولوجها في أبواب بيئتا واستبدالها للكثير من العناصر التقليدية كالرصاص، أو الحديد، وانفرادها بخصائص خارقة، ومميزات فريدة، ومنافع لا تُعد ولا تحصى، فقد ارتفع إنتاجها من 15 مليون في عام 1964 إلى 311 مليون عام 2014، وتُقدر الدراسات أن هذه الكمية ستتضاعف خلال العشرين سنة القادمة.

 

وتحولت المواد البلاستيك الآن إلى منتجات ضرورية وأساسية لا يمكن أن يستغني عنها أي إنسان أينما كان، وهذا الاستخدام المتزايد انعكس على كمية وأحجام المخلفات التي نرميها مع القمامة، فملايين الأنواع من المنتجات الاستهلاكية تجد طريقها، ولو بعد حين في أعضاء بيئتنا، سواء أكانت الأكياس البلاستيكية الخفيفة التي تتطاير في السماء فتُزين الأشجار على أوراقها وأغصانها، أو المخلفات البلاستيكية الأخرى التي نراها في المناطق الصحراوية، أو التي تسبح على سطح البحر فتنزل مع الوقت في أعماقه وتستقر فوق سطح تربته وتصبح جزءاً من تركيبه الدائم، وأحياناً كثيرة نشاهد هذه المخلفات في بيئاتٍ نائية وبعيدة عن أيدي البشر وأنشطته الإنمائية، مثل القطبين الشمالي والجنوبي، وفي البراري الموحشة والمقفرة، وفي أعماق البحار السحيقة والمظلمة، وأخطر ما في هذه القضية هي المخلفات البلاستيكية الدقيقة والصغيرة الحجم والتي بعضها لا يمكن مشاهدته بالعين المجردة فيدخل في أجسامنا عن طريق السلسلة الغذائية البحرية دون أن ندري، ويُطلق عليه العلماء الميكروبلاستيك(microplastic particles)، حتى أن العلماء نشروا أبحاثاً حول "دورة البلاستيك" في الطبيعة، كالدراسة المنشورة في 22 يناير من العام الجاري في مجلة(Anthropocene) تحت عنوان "الدورة الجيولوجية للبلاستيك".

 

ولذلك فالشواهد الميدانية والدراسات التطبيقية كلها تؤكد بأننا نقف أمام بركانٍ سيثور من المخلفات البلاستيكية التي تتفاقم خطورتها كل ساعة وتهدد أمننا البيئي والصحي، وإذا استمر هذا الوضع على ما هو عليه الآن فسيثور وينفجر قريباً على رؤوسنا ويفسد علينا حياتنا، وبالتالي لا بد من العمل على خفض كمية هذه المخلفات عن طريق تصميم مواد ومنتجات بلاستيكية قابلة للتحلل الحيوي عند دخولها في البيئة إلى مواد غير ضارة، أو أنها تكون قابلة للتدوير وإعادة التصنيع بعد انتهاء عمرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق