الأربعاء، 16 مارس 2016

هل الهاتف النقال يجْعلكُ عقيماً؟


قضية التأثيرات البيئية والصحية لاستخدام الهاتف النقال، أو الهاتف الخلوي لم تُحسم حتى الآن على المستوى العلمي والطبي، ولم تُؤخذ ضدها القرارات الجماعية الصارمة والواضحة، فالدراسات مازالت تُنشر في كل يوم ونتائجها تظهر بين مدٍ وجَزْر وبين معارضٍ ومدافع، فاستنتاجاتها لم تَلقَ إجماعاً على المستوى الدولي وبين العلماء والأطباء المختصين والمهتمين بهذه القضية الحيوية والمتابعين لدقائق تطوراتها الإيجابية والسلبية على كافة المستويات والأبعاد المتعلقة بها.

 

وإنني أُشبهُ الحالة التي تَـمُر بها قضية الهاتف النقال بتاريخ السجائر منذ ولادتها وخروجها من بَطن المصانع والشركات، ثم طرحها في الأسواق وتعاطيها من قبل الناس. فالمرحلة الأولى التي مَرَّت بها السجائر وعملية التدخين، أَصفها بالترقب والتريث وإجراء الأبحاث والدراسات الأولية على هذه الظاهرة المستحدثة، وعدم الاستعجال في تَبني رأي محدد ضد هذه الحالة الجديدة واتخاذ قرار إيجابي أو سلبي حتى تتضح الصورة أكثر مع الوقت.

 

بالفعل جاءت الدراسات تترا، كل دراسة تؤكد نتائج الدراسة التي سبقتها، وكل دراسة تكشف وجهاً قبيحاً جديداً لم يعرفه أحد ولم يكن في الحسبان بالنسبة لأضرار التدخين بشكلٍ عام والملوثات التي تنبعث منها بشكلٍ خاص. ولكن في المقابل لم تقف شركات التبغ والسجائر متفرجة، ولم تتخذ موقفاً حيادياً سلبياً، وإنما جَنَّدت مرتزقتها من علماء، وإعلاميين، وأساتذة الجامعات لإجراء دراسات مماثلة تُخفف من حِدة وشدة نتائج الدراسات الأخرى، وتقلل من شأن أضرارها وفسادها لصحة الإنسان وبيئته. وبعد سنواتٍ طويلة عِجاف استغرقت أكثر من خمسين عاماً من المعارك الضارية بين شركات السجائر من جهة والأطباء وعلماء البيئة والجهات الصحية من جهة أخرى، وصل المجتمع الدولي إلى "الإجماع المـُطلق" الذي لا ريب فيه بأن التدخين يدمر صحة البشر.

 

فالنسبة للهاتف النقال، فإننا مازلنا في المراحل الأولى، وهي مرحلة الترقب والتريث وعدم الحسم في اتخاذ القرار، ومرحلة نشر الدراسات العلمية من الطرفين المتحاربين والمتخاصمين. فهناك دراسة دولية شاملة تُعرف بدراسة "الإنترفون"(Interphone) لعام 2010، وهي عبارة عن حصرٍ تحليلي للدراسات المنشورة حول تأثيرات الهاتف النقال، ونشرتها الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، حيث خلصت الدراسة إلى أنها: "لم تجد مخاطر لاستخدام الهاتف النقال بشكلٍ عام"، ولكنها أشارت إلى وجود بعض المخاطر من الإصابة بأورام المخ بالنسبة للمفرطين في استخدامه، وفي مايو 2011 صَنَّفتْ الوكالة الدولية لأبحاث السرطان الموجات والأشعة التي تنبعث من الهواتف النقالة بأنها "من المحتمل أن تكون مسرطنة"، وهي لهجة مخففة جداً، ثم في يونيو 2014 أصدر المركز الأمريكي لمنع والتحكم في المرض توجيهات استرشادية متعلقة باستخدام الهاتف النقال وقال فيه: "نحن نوصي بالحذر من استخدام الهاتف النقال".

 

واليوم نُشر العديد من الأبحاث التي تدرس العلاقة بين وضع الهاتف النقال في جَيْبِك أو في أحد الأماكن في  ملابسك طوال اليوم وعدد ونوعية وحركة الحيوانات المنوية، فمنها دراسة منشورة في سبتمبر عام 2015 في مجلة "البيئة العالمية"(Environment International) تحت عنوان: "تأثيرات الهاتف النقال على نوعية الحيوانات المنوية"، وأخرى الدراسة المنشورة في مجلة الطب الحيوي الإنجابي(Reproductive BioMedicine) في فبراير من العام الجاري، حيث أشارت إلى أن الرجال الذين يضعون الهاتف النقال في جيوبهم تتأثر لديهم حركة ونوعية وعدد الحيوانات المنوية، أي أنها على المدى البعيد قد تؤثر على خصوبتهم، فتجعل الرجل عقيماً.

 

ولذلك نرى أن الدراسات بدأت تخرج باستحياء لتسبر غور هذه القضية الحديثة نسبياً، وكل دراسة تتناول جانباً صحياً وبيئياً متعلقاً باستخدام الهواتف النقالة، ولذلك في تقديري فإننا سنحتاج إلى عشر سنوات لكي تتضح بشكلٍ لا غبار عليه التأثيرات السلبية للهواتف النقالة، وسنحتاج إلى عشر سنوات أخرى  لحسم هذه القضية والوصول إلى الاجماع الدولي حول استنتاجاتها.

 

وحتى يأتي ذلك اليوم، وتجتمع الأمة على رأيٍ واحد، علينا اتباع "المنهج الاحترازي" في التعامل مع الهاتف النقال، أي توخي الحيطة والحذر وتجنب الإفراط والإسراف في استخدامه، فإنني علي يقين بأن الأيام القادمة كفيلة بكشف أضراره.

 

وفي الواقع فإنني لا أخاف على جيلي من الهاتف النقال لأننا بدأنا في استخدامه في سنٍ متأخرة، فالخوف والقلق على الأجيال القادمة التي تستخدم الهاتف طوال سنوات العمر منذ اليوم الأول من الخروج إلى الحياة الدنيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق