الخميس، 31 مارس 2016

الحَمَامْ يتصدر المشهد البيئي



كُل من زار العاصمة البريطانية لندن في السنوات الماضية فلا شك بأنه قد رأى منظر أسراب الحمام وهي تطير في الميادين والساحات الكبرى ومحطات القطار للفت عناية السياح الأجانب والمقيميين، وبخاصة الميدان التاريخي الشهير الواقع في قلب لندن والمعروف بـ ترافلجارسكوير(Trafalgar Square)، أو ساحة الطرف الأغر.

ولكن اليوم إذا رأيتَ الحمام وشاهدت الأسراب الكثيرة منها وهي تحوم في وسط لندن وتطير في أجوائها من منطقةٍ إلى أخرى، فهي ليست في مهمة لجلب السياح وجذب انتباههم ورعايتهم، وإنما هي الآن قد تم تكليفها بمهمةٍ أخرى جديدة وهي تصب كلياً في علاج وتشخيص إحدى المشكلات البيئية البحتة المزمنة التي تعاني منها لندن منذ سنوات ويقاسي السكان من تداعياتها المزمنة القاتلة.

فقد تم تجهيز وتدريب وإعداد فريق متخصص من الحمام للقيام بدوريات هوائية فوق مناطق محددة في وسط لندن، كما يقوم الشرطة بدوريات أمنية في الشوارع والأحياء والمجمعات للاطمئنان على سلامة وأمن المواطنين والمقيميين، وأُطلق على الفريق "دَوْرية الحمام الهوائية"(Pigeon Air Patrol)، فكل واحد من فريق الحمام يُعد شرطياً بيئياً يراقب جودة الهواء الجوي ويتعرف على نوعيته من ناحية كمية ونوعية الملوثات الموجودة في الهواء الجوي، كما يقوم بمهمة قياس تركيز الملوثات في الهواء وإرسال المعلومات إلى أجهزة خاصة موجودة على الأرض.

فقد تم وضع مجسات وأجهزة مراقبة محمولة و"شخصية" صغيرة الحجم وخفيفة الوزن فوق ظهر كل فرد من أفراد فريق الحمام المتكون من عشرة حمامات، حيث تقوم هذه الأجهزة بقياس تركيز الملوثات في منطقة وسط العاصمة والساحات والميادين العامة الكثيفة بالناس، وبالتحديد غاز ثاني أكسيد النيتروجين، والأوزون، والمركبات العضوية المتطايرة، ويمكن لكلِ مواطن ومُقيم التعرف على جودة الهواء في أية منطقة فوراً وبشكلٍ مباشر من خلال وسائل الاتصال الاجتماعي مثل "التويتر".

ويأتي هذا الاهتمام بجودة الهواء ومعرفة تركيز ونوعية الملوثات لعدة أسباب رئيسة، منها أن التقارير العلمية على مستوى بريطانيا وعلى المستوى الدولي أكدت بأن تلوث الهواء الجوي يؤدي إلى موت الإنسان موتاً مبكراً، حيث حذرت الجمعية الملكية للأطباء في بريطانيا أن قرابة 40 ألف بريطاني يموتون سنوياً في بريطانيا، منه نحو 9500  لندني وذلك نتيجة للتعرض على مدار السنة لمستويات مرتفعة من الملوثات السامة والمسرطنة، كما أكدت منظمة الصحة العالمية أن زهاء سبعة ملايين إنسان يلقون نحبهم في سنٍ مبكرة من أمراض متعلقة بتلوث الهواء الجوي.

وعلاوة على الجانب الصحي المتعلق بتلوث الهواء وتدهور نوعيته، فإن محاكم الاتحاد الأوروبي تلاحق بريطانيا منذ سنوات لعدم التزامها بالمعايير الأوروبية لجودة الهواء الجوي وتجاوز بعض الملوثات للمواصفات الأوروبية الخاصة بنوعية الهواء وارتفاع تركيزها في الهواء الجوي، علماً بأن المحاكم الأوروبية فرضت غرامات مالية كبيرة على بريطانيا لعدم الوفاء بتعهداتها البيئية الخاصة بجودة الهواء.

وفي الوقت نفسه فإن هناك ملاحقات قضائية لبريطانيا من عقر دارها، حيث قامت العديد من منظمات المجتمع المدني البيئية برفع دعوى قضائية في المحكمة العليا ضد وزارة البيئة، والغذاء، والشؤون القروية لتقاعسها عن حل مشكلة تلوث الهواء وتدهور جودته، وعدم اتخاذ الإجراءات الحازمة والحاسمة لخفض تركيز الملوثات في الهواء الجوي، وبخاصة في المدن العريقة الكبرى وعلى رأسها العاصمة لندن، علماً بأن المحكمة العليا أصدرت أمراً في أبريل 2015 تُلزم الجهات الحكومية على وضع خطة زمنية قابلة للتنفيذ تهدف إلى تحسين نوعية الهواء وخفض مستوى الملوثات.

وقد وصلت بريطانيا إلى هذا المستوى البيئي المتدني والخاص بفساد نوعية الهواء بسبب تجاهلها وإهمالها لهذه القضية البيئية الصحية لسنواتٍ طويلة، وعدم محاولة علاجها وهي في مهدها وفي بداياتها، مما أدى إلى تفاقمها مع الزمن وبلوغها درجةٍ مزمنة يصعب حلها، ولذلك علينا في البحرين الاستفادة من هذه التجربة البريطانية والتعلم من خبراتها والعمل على الاهتمام بنوعية هوائنا قبل فوات الأوان.


هناك تعليقان (2):

  1. جزاك الله خيرا على هذه المعلومات القيمية ... فعلا يجب علينا تدارك الأمر قبل تطوره إلى مستويات يكون العلاج فيها باهضا كما هو الحال في قضايا مختلفة

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف