الأحد، 6 مارس 2016

جائزة الأوسكار والتغير المناخي


أكثر من 34.3 مليون مشاهد تابع مؤخراً تفاصيل توزيع جائزة الأكاديمية السينمائية والمعروفة عند الجميع بجائزة الأوسكار، والتي تُعد أهم جائزة سينمائية على المستوى الدولي مَنْزلة وشأنناً وقيمة، ولا بد من أن هذا العدد الكبير من البشر استمعوا أيضاً لخطاب الممثل ليوناردو دي كابريو بعد قبوله لنيل جائزة الأوسكار لأفضل ممثل عن دَوره في فيلم "ذي ريفيننت"، والذي يَعْني "العَائِدْ والرَاجِع بعد غيابٍ طويل".

 

فقد ضمَّن في خطابه قضية خطيرة جداً تهدد استدامة حياة الإنسان على الأرض، بل وتُنذر بزوال كوكب الأرض برمته ومَنْ عليه من كائناتٍ حية، كما حدث لقوم نبينا نوحٍ عليه السلام عندما أهلك الله سبحانه وتعالى الأرض وكل من عليها، فمنذ أكثر من 25 عاماً يجتمع سكان الأرض على كافة المستويات من علماء مختصين إلى رؤساء ورؤساء حكومات كافة الدول للتصدي لهذه القضية المعقدة والشائكة ولمحاولة مكافحة تداعياتها وانعكاساتها التي تَأَثر منها كل صغيرٍ وكبيرٍ، وكل فقيرٍ وغني على وجه الأرض، وهذه هي قضية العصر الكبرى، أو قضية التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، حيث قال الممثل ليوناردو دي كابريو في كلمته حول الفيلم:" هذا الفيلم يحكي قصة العلاقة بين الإنسان والطبيعية... فالتغير المناخي حقيقة وهو يحدث الآن، وهو التهديد الأكثر إلحاحاً وتأثيراً على جميع الكائنات الحية، فعلينا أن نعمل بشكلٍ جماعي مع بعض"، كما وجه في خطابه انتقادات قوية إلى رجال السياسة الذين يقفون متفرجين أمام هذه الظاهرة البيئية التي لا تخفى على أحد اليوم.

 

وليست هذه هي المـَـرْة الأولى التي يستغل فيها هذا الممثل منبراً دولياً مشهوداً للتوعية بقضية التغير المناخي والتحذير من أضرارها الواقعة ميدانياً على سكان الأرض، فقد بدأ مشواره في الدفاع عن القضايا البيئية الساخنة بشكلٍ عام منذ التسعينيات من القرن المنصرم، ومن أبرز هذه المحطات، كانت الكلمة الجامعة التي ألقاها في اجتماع للجمعية العمومية للأمم المتحدة في عام 2014 حول هذه القضية الكارثية.

 

ولكن هذه الجهود التي يبذلها المشاهير في عالم الفن والسينما، سواء من ليوناردو دي كابريو، أو من بطل كمال الأجسام العالمي وممثل أفلام الإثارة والعنف وحاكم ولاية كاليفورنيا سابقاً أرنولد، أو حتى من ألجور النائب السابق لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فهل هذه الجهود تُغير من رأي وتوجهات متخذي القرار وتُثمر على المستوى الدولي عندما تُعقد قمم التغير المناخي ويشارك فيها رجال السياسة من زعماء دول العالم؟

 

فمن خلال متابعاتي لمؤتمرات واجتماعات الأمم المتحدة للتغير المناخي التي تُعقد سنوياً، لم ألحظ تأثيراً ملموساً لجهود هؤلاء المشاهير على رؤساء الوفود المشاركة، فكل رئيس وفد يأتي وفي جعبته سياسة دولته بالنسبة للتغير المناخي، وهناك دول محورية على المستوى العالمي لم تقتنع كلياً بدور الإنسان الرئيس في إحداث التغير المناخي ورفع درجة حرارة الأرض، فمازالت بعض القوى المسيطرة على القرار والأحزاب المهيمنة على الساحة السياسية في البعض من هذه الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تُشكك في واقعية ظاهرة التغير المناخي وتَزْعم أن مساهمة أنشطة الإنسان التنموية والمتمثلة في حرق الوقود الأحفوري في السيارات والمصانع ومحطات توليد الكهرباء محدودة جداً ولا تستدعي تغيير نوعية الوقود كلياً على المدى القريب، أو خفض مستوى انبعاث الغازات التي تنطلق منها، وفي مقدمتها غاز ثاني أكسيد الكربون. ولذلك نجد أن قطبي السياسة الأمريكية، وهما الحزب الديمقراطي والجمهوري، يخوضان حرباً ضروس طويلة منذ ربع قرن، ولم ولن تُحسم نتائج الحرب لأي حزب، ففي بعض معارك التغير المناخي التي تدور رحاها على الساحة الأمريكية يفوز الديمقراطيون، وفي معارك أخرى يحظ الجمهوريون بالانتصار المؤقت، وهكذا فالصراع محتدم ومستمر بينهما، وكوكب الأرض يعاني من عدم اتفاق القطبين وتجنب كل واحدٍ منهما لتنفيذ إجراءات جوهرية ومؤثرة لحماية كوكبنا الوحيد.

 

ولكن في المقابل فإن أنشطة وخطابات هؤلاء المشاهير لا تذهب عبثاً فهي تُفيد على المدى البعيد في تثقيف الجمهور على كافة المستويات وفي كل دول العالم، وتعمل على تعزيز وعيه واتجاهاته بأهمية وضرورة دَفْعِ الحكومات والضغط عليها من أجل اتخاذ القرارات القوية والحازمة لصالح الحفاظ على استدامة عطاء كوكب الأرض.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق