السبت، 24 ديسمبر 2011

تطويرٌ أم تدمير؟


قبل أيام وقع عطل في أحد سخانات المياه في الحمام في منزلي، فقمت بالاتصال بأحد المقاولين المختصين بتصليح هذه السخانات، وبالفعل جاء عمال المقاول إلى منزلي وقاموا بعمل الإصلاحات اللازمة من خلال استبدال السخان القديم بآخر جديد، وأدوا مهمتهم على أحسن وجه بما يتعلق بإصلاح الخلل الموجود في السخان.

ولكن في المقابل قاموا بتخريب وإتلاف عدة أشياء في الحمام بعد الانتهاء من مهمتهم التي جاؤوا من أجلها، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية. أما النقطة الأولى فقد أغرقوا الحمام بالماء الذي نزل كالسيل العرم من السخان الذي كان مملوءاً بالماء. ثانيا تركوا بُقعاً بنية غامقة اللون على أسطح البلاط فوق الأرض وعلى الجدران، وهذه البقع هي الماء الذي اختلط بالصدأ الناجم عن الأنابيب المعدنية المتآكلة، وهذه البقع تبقى دائمة على البلاط ولا يمكن إزالتها. والنقطة الثالثة، فهؤلاء العمال الذي أصلحوا السخان وقاموا بواجبهم ومهمتهم الأساسية تركوا بصمات أرجلهم وأيديهم القذرة في كل مكان. أما النقطة الرابعة والأخيرة فقد تمثلت في أن العمال بعد أداء مهمة التصليح للسخان تركوا هذا الخراب والأوساخ وراءهم ورحلوا.

هذا مثال واقعي ربما تَعرض له كلٌ منكم في منزله عندما يدعو أي عاملٍ لإجراء تصليح أو تعديل محدد، فبصماته يتركها وراءه، يُصلح شيئاً ويتلف أشياء أخرى، ينظف شيئاً ويوسخ أشياء كثيرة أخرى، فهو لا يهمه، ولا يلتفت إلى الأمور الأخرى غير العمل الذي جاء من أجله، فعليك أنت صاحب المنزل تقديم التوجيهات المشددة والصارمة اللازمة له ليتجنب تخريب أو إتلاف أي شيء في المنزل، ثم الإشراف عليه ومراقبته خطوة بخطوة، ومتابعة كل تحركاته وأعماله وخطواته أثناء القيام بمهمته، والتأكد من تنفيذ هذه التوجيهات بدقة متناهية.

والخلاصة أنك إذا أردت أن تحافظ على بيئة منزلك أثناء عمل العمال، فعليك شخصياً أن تتابع العامل وتشرف على عمله أولاً بأول.

وفي السياق نفسه، ينطبق هذا المثال على الشركات العملاقة متعددة الجنسيات التي يتم التعاقد معها لمدة محددة من الزمن للقيام بمهمة معينة في البلد، كما كان هو الحال بالنسبة للشركات التي كانت تنقب عن النفط والغاز الطبيعي ثم تقوم بتكريره في محطة تكرير النفط، أو الشركات التي تقوم حالياً بالبحث عن النفط والغاز الطبيعي في البر والبحر. 

فهذه الشركات مهما تكلمنا عن التزامها بالأنظمة البيئية، فإنها جاءت لمهمة أساسية هي التنقيب عن النفط أو الغاز الطبيعي، أما حماية البيئة وثرواتها الطبيعية وتجنب تلويثها فلا يقع ضمن أولوياتها ومهامها الرئيسة، وبالتالي علينا نحن أبناء البلد الإشراف الدقيق والصارم ليلاً ونهاراً، وعلى مدار الساعة على كل صغيرة وكبيرة يقومون بها، وعدم الغفلة ولو لحظة واحدة عن ممارساتها اليومية.

فتاريخ هذه الشركات النفطية وممارساتها في دول العالم النامي يؤكد تجاهلهم للبيئة المحلية وعدم اكتراثهم لحمايتها والحفاظ على مواردها الطبيعية. ففي نيجريا وفي منطقة أوجونلاند(Ogoniland) في دلتا النيجر قامت شركة شيل البترولية بتلويث أفضل الأنظمة البيئية إنتاجاً وتنوعاً خلال عملها لمدة خمسين عاماً، وأكد تقرير الأمم المتحدة المنشور في أغسطس 2011 أن عملية التنظيف وإعادة تأهيل هذه البيئات المتدهورة تستغرق زهاء ثلاثين عاماً، وتكلف قرابة بليون دولار أمريكي، حتى أن منظمة العفو الدولية(Amnesty International) تدخلت في هذه القضية وأكدت مسئولية شيل على هذه الطامة البيئية الكبرى، وقالت في تصريح لها: “هذا التقرير يؤكد على أن لشركة شيل تأثيرات رهيبة في نيجيريا، ولكنها أنكرت ذلك لعقودْ زَعماً منها بأنها تعمل تبعاً لأفضل المعايير الدولية”.

وتكررت هذه المأساة البيئية في الإكوادور، مما اضطرت المحاكم في الإكوادور في مدينة لاجو أجريو(Lago Agrio) في 14 فبراير 2011، وبعد محاكمة ماراثونية استمرت 18 عاماً على فرض أكبر غرامة مالية في التاريخ البيئي، قدرها 8.6 بليون دولار على شركة شيفرون (Chevron) تعويضاً عن التدمير الشديد والواسع النطاق الذي سببته هذه الشركة البترولية العملاقة أثناء البحث والتنقيب عن النفط في غابات الأمازون للبيئة والقاطنين في تلك المناطق النائية. 

ولا شك بأننا في البحرين غير محصنين ضد هذه الممارسات التي تقوم به هذه الشركات المتنفذة التي نتعاقد معها لمهمةٍ معينة ولزمنٍ محدد، وليست لدينا المناعة الكافية لمقاومتها ومواجهتها، وبالتالي لا بد من وضع وثيقة بيئية يلتزمون بها ويتم متابعة تنفيذها حرفياً وفي موقع العمل من أهل البلد، فنحن نريد التطوير في بلادنا ولكن دون تدمير، ونحن نريد البناء ولكن دون هدم، ونحن نريد الإصلاح ولكن دون فساد.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق