الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

العالم يرجع للوراء عشرين عاماً


في الكلمة الختامية التي ألقتها وزيرة خارجية دولة جنوب أفريقية رئيسة الاجتماع السابع عشر للتغير المناخي الذي عقد في ديربن بجنوب أفريقيا في ديسمبر عام 2011، قالت للمجتمعين:نحن صنعنا التاريخ، وقام الجميع مصفقاً ومهللاً لها على كلمتها ونجاح أعمال الاجتماع.

وفي الحقيقة بعد أن اطلعت على نتائج الاجتماع لم أجد فيها ما يشير إلى أنه قد صنع تاريخاً، أو أنه قد نجح في تحقيق أي انجازٍ عملي وملموس لحماية الأرض من ارتفاع درجة حرارتها المستمرة، سوى أنه قد دخل التاريخ من بابه الخلفي حيث أكد بأن العالم قد رجع إلى الوراء عشرين عاماً، أي إلى عام 1992 عندما عُقدت قمة ري ودي جانيرو وتمخض عنها الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي، والتي فتحت الباب أمام دول العالم للتفاوض حول كيفية مواجهة التغير المناخي والدعوة لاتفاقية تشترك فيها دول العالم لخفض نسبة الملوثات التي تساهم في ارتفاع درجة حرارة الأرض. 

فاجتماع التغير المناخي في ديربن وافق فقط على أن تبدأ جميع الدول دون استثناء في مفاوضات حول اتفاقية جديدة ملزمة قانونياً، بحيث تبدأ هذه المفاوضات الدولية عام 2012، وتنتهي بعد أربع سنوات، أي في عام 2015، ثم إذا ما وافقت معظم الدول على الاتفاقية الجديدة، فسيبدأ التصديق عليها في عام 2020، أي بعد تسع سنوات من اليوم، فهل هذا يُعد انجازاً حقيقياً، ونصراً تاريخياً يُحتفل به؟

وعلاوة على ذلك، ما أن انتهى الاجتماع وكبَّر المجتمعون على انجازهم التاريخي وتعانقوا فرحين بتحقيق النصر المؤزر، وبالتحديد بعد سويعات قليلة، وجهت كندا صفعة قوية مدوية للمجتمعين لم تجعل فرحتهم هذه تتم وتكتمل، وذلك عندما أعلن وزير البيئة الكندي انسحاب بلاده من بروتوكول كيوتو، وبالتالي تكون أول دولة تُعلن خروجها الرسمي من بوابة كيوتو، أي إنها لن تلتزم بخفض انبعاثاتها من الملوثات.

وفي الحقيقة أن ابتهاج الدول، وبخاصة الدول الكبرى المسئولة عن التغير المناخي، ينبع من أن الاجتماع خرج بصيغة توافقية عامة لا تُزعج أية دولة، فهي صيغة هلامية وفضفاضة ومرنة تَحمل في طياتها أكثر من تفسيرٍ واحد فتُرضي كافة الأطراف المعنية، وتهدف في تقديري إلى حفظ ماء وجه المجتمعين والحكومات أمام الشعوب ومنظمات المجتمع المدني في أنهم قد خرجوا بقرارات محددة، وأن سفرهم آلاف الكيلومترات والأموال التي صرفوها لم تذهب هباءً منثورا.

فهذا الاجتماع في نهاية المطاف أجَّل أي حلٍ جذري دولي لمواجهة قضية التغير المناخي إلى عام 2020، وأعطى الدول فترة طويلة من الراحة التامة، ومهلةْ تسع سنوات لترتيب شؤونها الداخلية المتعلقة بالتغير المناخي، وهذه الشؤون الداخلية قد تتغير حسب الحزب الحاكم في الدول، وحسب توجهات وقناعات هذا الحزب بأهمية التغير المناخي وضرورة التزام حكومته بأية اتفاقية مستقبلية.

ولذلك كما حدث لبروتوكول كيوتو للتغير المناخي الذي ألزم الدول الصناعية الكبرى إلى الحد من انبعاث الملوثات المتهمة برفع درجة حرارة الأرض، قد يحدث لأية اتفاقية جماعية ملزمة قانونية تتم الموافقة عليها في السنوات القادمة. فعلى سبيل المثال، وافقت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون على بروتوكول كيوتو، ثم بعد سيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض بزعامة جورج بوش، انسحبت أمريكا عام 2001 من هذا البروتوكول الذي وقعت عليه لعدم قناعة بوش وحزبه في دور الإنسان في إحداث التغير المناخي. وهذا السيناريو قد يحصل في القريب العاجل، إذ أن حكومة أوباما في اجتماع ديربن وافقت على الدخول في المفاوضات الدولية حول التغير المناخي، ولكن إذا فاز الجمهوريون في انتخابات عام 2012 أو 2016 فحتماً سيكون لهم رأي آخر في هذه المفاوضات. وهذه الحالة الأمريكية تكررت في استراليا وكندا وروسيا بعد تغير الأحزاب الحاكمة فيها.

وانطلاقاً مما سبق فإننا أرى بأن المجتمع الدولي بدأ يحوم في دائرة مغلقة، وأَدخَل قضية التغير المناخي مرة ثانية في نفقٍ مظلمٍ طويل لا يمكن مشاهدة نهايته من الآن، ولا يعرف أحد كيفية الخروج منه، وكما أنني كتبت في 24 نوفمبر مقالاً أُعلن فيه فشل اجتماع ديربن قبل شهر من بدئه، فإنني غير مطمئن من أية نتيجة ايجابية قد تتمخض من مفاوضات دول العالم المزمعة حول التغير المناخي، إلا في حالتين. الأولى تحسن الأوضاع الاقتصادية وازدهارها على مستوى الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا، والحالة الثانية وصول الديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية مرة ثانية إلى البيت الأبيض والكونجرس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق