الجمعة، 16 ديسمبر 2011

حرق الغاز الطبيعي في البحرين وقيمة الإنسان

إذا ذهبتَ يوماً إلى المناطق الجنوبية من البلاد، وبخاصة أثناء الليل فإنك ستشاهد بكل جلاءٍ ووضوح شعلة ضخمة تنير سماء البلاد في تلك المنطقة، وترى ضوءاً قوياً يخرج منها إذا وقفت بالقرب منها وكأنك في ساعات الظهيرة الأولى.

فما هي هذه الشعلة الكبيرة؟
ولماذا تحترق؟

هذه الشعلة عبارة عن غاز طبيعي مصاحب، أي أنه يصاحب استخراج النفط من باطن الأرض، فعندما ننقب عن النفط ونرفعه من تحت الأرض، يخرج معه في بعض الأحيان الغاز الطبيعي الذي يتكون أساساً من غاز الميثان وغازات هيدروكربونية أخرى. وغاز الميثان له استخدامات كثيرة في حياتنا العملية اليومية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يستخدم كمصدر وحيد لإنتاج الطاقة وتوليد الكهرباء في البلاد، كما يستعمل كمادة أولية خام لصناعة المواد الكيميائية الأخرى كالأمونيا واليوريا والغاز الذي يستخدم في المنازل لتشغيل الفرن المنزلي، وعلاوة على هذه التطبيقات لاستخدام الغاز، فإن هناك الكثير من الشركات الصناعية الحيوية والضرورية التي تعمل وتعتمد أساساً على هذا الغاز لاستمرار تشغيلها وعملها بصورة يومية في البلاد.

وبالرغم من أهمية الغاز الطبيعي حالياً وعلى المدى البعيد من الناحية الإستراتيجية والاقتصادية، إلا أنه يُحرق مباشرة دون أية استفادة منه، وكأننا نحرق أموالنا فنطلقها في السماء، إضافة إلى تلويثها الشديد للهواء الجوي والعمل على تدهور البيئة في المناطق القريبة والبعيدة إلى حدٍ سواء، مما ينعكس بشكلٍ مباشر وغير مباشر على صحة المواطنين وسلامتهم سواء على المدى القريب أو البعيد، فكل هذه الأحجام الكبيرة من الملوثات لا تنعدم، وإنما تصل في نهاية المطاف إلى الإنسان والحياة الفطرية.

ولو سألت المعنيين باستخراج النفط في البلاد عن هذه الظاهرة المتمثلة في السماح لهذه الثروة الحيوية الاقتصادية أن تحترق دون الاستفادة منها، لكان الجواب كما يلي:

إن الغاز الطبيعي المصاحب الذي يخرج عند استخراج النفط فيه الكثير من الشوائب التي تُقلل من قيمته الاقتصادية والتجارية، وأن هناك دراسات جدوى اقتصادية قد تم إجراؤها لمعرفة كُلفة معالجة هذا الغاز وإزالة الشوائب غير المرغوبة فيه، ثم حساب كلفة توصيله إلى الشركات التي يمكن أن تستفيد منها، فأكدت هذه الدراسات عدم الجدوى الاقتصادية من إقامة أية منشأة لمعالجة وتنظيف الغاز، ولذلك فالأرخص والأكثر جدوى من الناحية الاقتصادية هو جعل هذه الثروة تحترق.

ولكن هنا أريد أن أطرح السؤال التالي: هل هذه الدراسات الاقتصادية أخذت في الاعتبار كلفة تلويث الهواء الجوي وتدهور جودة الهواء في تلك المنطقة وفي البحرين برمتها؟
أي هل هذه الدراسات وضعت أية قيمة مالية نقدية للهواء الجوي كمورد لا يمكن الاستغناء عنه ولو لدقائق معدودات، إذ لا حياة لنا وللكائنات الحية بدونه؟


وهل هذه الدراسات الاقتصادية حسبت نقدياً انعكاس هذه الأحجام الكبيرة من الملوثات التي تنطلق منذ أكثر من سنة إلى الهواء على صحة الإنسان والعمال الذين يعملون في تلك المواقع؟

فهل هذه الدراسات وضعت مبلغاً محدداً لصحة الإنسان والخسائر المالية التي تتكبدها الدولة من مرض المواطنين، أما أنها تجاهلت الإنسان تماماً وكأنه غير موجود، واعتبرت الإنسان لا قيمة له بتاتاً؟  

وإنني على يقين لو تم حساب الخسائر المالية التي تنجم عن تدهور الهواء الجوي، وتدهور صحة الإنسان ومرضه ثم موته بالمرض، إضافة إلى تدهور البيئات والحياة الفطرية، لكان من المجدي اقتصادياً إقامة مصنع لمعالجة الغاز الطبيعي المصاحب.

 

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق