الأحد، 18 يناير 2015

الهَجْمَة الأمريكية على التغير المناخي


بينما تتجه أنظار شعوب العالم نحو الضوء الذي يُنير في نهاية نفق التغير المناخي المظلم، نجد أن قادة الولايات المتحدة الأمريكية، كما فعلوا من قبل ببروتوكول كيوتو، يريدون بقوتهم وجبروتهم إطفاء هذا النور بأيديهم وأفواههم، وإخماد الشمعة التي تُولِّد بريقاً من الأمل لدى سكان الأرض.

 

فالتغيرات السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة في انتخابات الكونجرس وحكومات الولايات وفوز الجمهوريين بالأغلبية الساحقة، أَرجعتْ قضية التغير المناخي إلى نقطة الصفر. فالحزب الجمهوري بشكلٍ عام يقف حجر عثرة أمام أي تطورٍ في قضية التغير المناخي، سواء على المستوى الأمريكي القومي، أو على المستوى الدولي، وذلك تلبيةً لضغوط شركات البترول والفحم العملاقة ومحطات توليد الطاقة التي تمول وتدعم الجمهوريين في الحملات الانتخابات. فكل قانون أو نظام في مجال التغير المناخي، وبالتحديد في باب خفض انبعاث الملوثات المتهمة برفع درجة حرارة الجو وإحداث التغير المناخي من المصانع ومحطات توليد الكهرباء، له مردودات مالية سلبية على هذه الشركات، وتخفض من نسبة أرباحهم، وتهدد استثماراتهم المستقبلية.

 

ولذلك حرصت هذه الشركات على دفع أموال ضخمة لدعم المترشحين لمجلس الشيوخ، أو حكام الولايات الذين لا يتعاطفون مع قضية التغير المناخي ويؤمنون بأن التغير المناخي الذي نشهده الآن هو جزء من الدورة الطبيعية للمناخ ولا دخل للإنسان فيه، إضافة إلى تجنيد جماعات الضغط لإقناع رجال السياسة والقانون لتبني آرائهم ومعتقداتهم، فجاءت نتيجة الانتخابات لصالحهم تماماً، فلم تـُهدر أموالهم، ولم تذهب جهودهم سدى مع الريح، فقد بدأوا يجنون ثمار استثماراتهم السياسية ويحصدون ثمن غرسهم، حيث بلغ سدة الكونجرس رجال لا يؤمنون بالتغير المناخي، بل ومنهم من ينكر وجود هذه الظاهرة ويحاربها علناً.

 

فعلى سبيل المثال لا الحصر،السيناتور الجمهوري جيم إنهوف النائب عن ولاية أوكلاهوما استلم أكثر من مليون دولار تبرعات لصالح حملته الانتخابية من شركات النفط والغاز التي ترفض أي تشريع يخص التغير المناخي، وقد نال هذا المبلغ الكبير مكافأةً له على مواقفه وآرائه المتشددة والمتطرفة عن التغير المناخي، فهو يُنكر كلياً واقعية ظاهرة التغير المناخي ودور الإنسان في تغير درجة حرارة الأرض،ويقول بأن التغير المناخي من"صُنع الله وليس من صنع البشر"، بل وإن تاريخه المهني وسيرته الذاتية تؤكد أنه منذ زمنٍ بعيد يعد العدو اللدود للبيئة وأنظمتها وقوانينها، سواء المتعلقة بالتغير المناخي، أو المتعلقة بمواصفات ومعايير جودة الهواء وغيرهما من الأنظمة.

 

وقد نشر هذا السيناتور كل أفكاره ونظرياته المـــُـتــَنـَطِعة في كتابه المنشور عام 2012 تحت عنوان:"الخُدعة الأعظم: كيف إن مؤامرة التغير المناخي تـُهدد مستقبلك"، فيقول فيه أن "الأمم المتحدة هي التي اخترعت فكرة التغير المناخي من أجل إغلاق آلة يُطلق عليها أمريكا"، ويقصد أن التغير المناخي "مؤامرة أممية" ضد التنمية في الولايات المتحدة الأمريكية لإعاقة تطورها ونموها التقني والاقتصادي، كما يُدعم ويؤيد مزاعمه هذه بالاستشهاد بآياتٍ من الإنجيل يبين فيها أن الله هو المتكفل بالأرض وهو الذي يحميها ويسيرها كما يشاء.

 

فهذه الشخصية النافذة المتطرفة والمغالية هي التي ترأس الآن اللجنة المختصة بشؤون البيئة والتغير المناخي في الكونجرس وهي "لجنة البيئة والأشغال العامة"، وقد صرح مؤخراً بأنه سيفرض كل آرائه حول التغير المناخي على جدول أعمال اللجنة.

 

والآن وبعد أن عرفنا هذه الحقائق على أرض الوقائع، وأثبتنا وجود قوةٍ شديدة النفوذ على رأس الهرم التشريعي والسياسي في أمريكا تحارب أي محاولة أو مشروع قرار لخفض تركيز الملوثات المعنية بالتغير المناخي، هل نتوقع أي مستقبل مشرق لقضية التغير المناخي؟ وهل نأمل أن تتصدر أمريكا قيادة العالم في قمة باريس للتغير المناخي في ديسمبر من العام الجاري فتؤيد اتفاقية دولية تلتزم فيها حكومات العالم للحد من انبعاثاتها؟

 

أنا شخصياً غير متفائل، وأشك في حدوث أي اختراقٍ أو انجازٍ ملموس ومشهود في قمة باريس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق