الخميس، 29 يناير 2015

تصريحات غير متوقعة من الرئيس الصيني



تصريحات وسياسات قادة الصين، وعلى رأسهم الرئيس الصيني ورئيس الوزراء قد تغيرت خلال السنوات الماضية تغيراً جذرياً وغير متوقعاً، فتحولت من سياساتٍ لا مبالية بهموم البيئة، ومتجاهلة كلياً لشؤونها اليومية، إلى سياساتٍ وتصريحات شديدة وحازمة تصب في مصلحة البيئة، وتؤكد على حمايتها وصيانة مواردها وثرواتها الطبيعية.

فمن التصريحات غير المألوفة والقوية للرئيس الصيني كساي جينبينج(Xi Jinping) ما أدلى به في 22 يناير من العام الجاري حيث شدَّد على رعاية مكونات البيئة وحماية عناصرها إلى درجة أنه أكد عليها قائلاً: "على الصين أن تـَحمي بيئتها كما يحمي الإنسان ويُثمِّن عينيه"، كما أضاف الرئيس الصيني أثناء زيارته لمقاطعة يونان(Yunnan) بأن حماية البيئة يجب أن تكون في مقدمة جدول أعمال الصين، "وأنَّ علينَا أن نتعامل مع البيئة بالطريقة نفسها التي نحافظ فيها على حياتنا، وأن البيئة يجب أن لا تعاني من أجل النمو الاقتصادي". 

فهل هذه السياسات الجديدة تجاه البيئة وثرواتها الفطرية الطبيعية جاءت مرة واحدة، وفجأةً دون مقدمات وبين عشيةٍ وضحاها، أم أن هذه التصريحات والسياسات للقيادة الصينية جاءت مفروضة عليهم ومكرهين على اتخاذها؟

فمن المعروف أن الصين دولة ثابتة ومحافظة لا تتزعزع سريعاً في التحول عن سياساتها، وتغييرها يحتاج إلى وقتٍ طويل وإجراءات معقدة ومتشابكة، ولذلك فإن هذا التغيير الذي قد طرأ على السياسية الصينية البيئية تؤكد لي بأنه لا بد أن أمراً جللاً قد وقع، أو أن زلزالاً شديداً قد ضرب الصين، فهز الأرض من تحت القيادة الصينية، وهدد استقرارهم وأمنهم وحُكْمهم، فأدى إلى تحويل وتغيير سياساتهم واستراتيجياتهم البيئية على المدى القريب والبعيد.

وفي تقديري فإن هناك أسباباً أمنية، وسياسية، وصحية، واجتماعية، واقتصادية تقف وراء هذا التغيير الملحوظ في السياسات البيئية. أما العوامل الأمنية السياسية، وهي الأهم بالنسبة للحكومات لأنها تهز عروشهم وتسقط حكوماتهم، فقد تمثلت في خروج المواطنين في مظاهرات عارمة واحتجاجات شديدة وعنيفة، رغم منع الحكومة الصينية مثل هذه المظاهرات، لإبداء غضبهم وسخطهم على الوضع البيئي المتدهور في الماء والهواء والتربة، وإصابة الناس بأمراض مستعصية ومزمنة مثل السرطان بسبب التعرض للملوثات التي ملأت الأرض والجو والماء، إضافة إلى احتجاجهم على إنشاء مصانع جديدة ملوثة للبيئة ومدمرة لصحتهم في مدنهم وقراهم، حيثاعترفت التقارير الحكومية عن وجود نحو 459 قرية سرطانية منكوبة، أي وجود قرى ومدن ترتفع فيها مستويات الإصابة بالسرطان مقارنة بالقرى والمدن الصينية الأخرى.

كذلك فإن التداعيات الاقتصادية للتدهور البيئي الصحي بلغت رقماً صعباً يُرهق كاهل الميزانية الحكومية، حيث قُدرت كُلفة الدمار العميق الذي وقع على جميع مكونات البيئة وصحة الإنسان بقرابة 222 بليون دولار أمريكي في عام 2009، وارتفع في عام 2010 بنسبة 9.2%. كما أكدت التقارير أن الصين صَرَفَتْ في عام 2010 فقط نحو 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي(GDP) على المشاريع الخاصة بإعادة تأهيل البيئات المتضررة في البر والبحر والنهر، ووضع أجهزة التحكم والمعالجة على مصادر انبعاث الملوثات الغازية والسائلة، إضافة إلى معالجة المخلفات الصناعية الصلبة وشبه الصلبة والخطرة.

فهذه العوامل والانعكاسات الخطرة التي هددت استقرار الحكومة الصينية ودهورت الأمن الصحي لعامة الناس، هي التي دفعت القيادة الصينية دفعاً اضطرارياً إلى الاهتمام بالبيئة ووضعها في مقدمة الأولويات، وحان الوقت لنا أيضاً في البحرين أن نُقدم البيئة إلى الأمام في جدول أعمالنا طوعاً وليس اضطراراً حتى نحقق التنمية المستدامة حسب برنامج الحكومة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق