الجمعة، 23 يناير 2015

التهديد النووي لأمريكا من الداخل وليس من الخارج



تقريرٌ خطير نشرته مجلة بريطانية اسمها الأسبوع(The week) في العدد المنشور في 20 يناير من العام الجاري تحت عنوان:" الخطورة في الترسانة النووية الأمريكية القديمة"، حيث جاء فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاني بشدة منذ عقود من ترسانتها النووية التي أصابتها الشيخوخة، من أسلحة وذخائر وقنابل وصواريخ نووية قديمة والتي تمت إحالتها على التقاعد منذ سنوات، حيث خفضت أمريكا من ترسانتها النووية من 31 ألفاً إلى 4800 خلال العقود الماضية، وهذه الأعداد المتعاظمة من الأسلحة النووية العتيقة بمختلف أحجامها وأنواعها وقوتها تُشكل منذ الأربعينيات من القرن المنصرم تهديداً أمنياً واقعياً ليس للبيئة والمواطن الأمريكي خاصة، وإنما لكافة البشر ولكوكب الأرض عامة.

وقد اعترف بهذه التهديد الحقيقي قائد أمريكي عسكري رفيع المستوى في القوات الجوية الأمريكية هو جيمس كوالسكي(James Kowalski) عندما صرح قائلاً:" اليوم، التهديد النووي الحقيقي لأمريكا ليس هو العدو الخارجي، ولكن الخطر الأعظم هو احتمال وقوع حادثةٍ مفاجئة أو خطأ بشري".

فالمشكلة تكمن في أن هذه الأسلحة تكدست مع الوقت خلال أكثر من سبعين عاماً، وهي مخزنة منذ ذلك الوقت في عدة ولايات أمريكية في ظروفٍ غير آمنة وغير مستقرة، وبطرق بسيطةٍ وغير سليمة، ولم تـُخصَص لرعايتها وحمايتها المبالغ المالية الكافية اللازمة لصيانتها وتأمينها وإعادة تأهيلها وتدريب العاملين على تشغيلها على مدار الساعة، فهي معرضة لعمليات التآكل والصدأ وتغيرات المناخ، إضافة إلى احتمال تسرب الملوثات المشعة منها الوقت دون أن يعلم أحد عنها، وفي الجانب الآخر فإن صيانة هذه الأسلحة والذخائر ترهق كاهل ميزانية أمريكا، حيث بلغت في عام 2014 نحو 8.3 بليون دولار، وهذا الرقم في ارتفاعٍ مطرد بشكلٍ سنوي.

وفي المقابل هناك أيضاً المعاناة الأزلية من المخلفات النووية المشعة ليس في أمريكا فحسب وإنما في كل الدول النووية، سواء أكانت المخلفات الناجمة عن صنع الأسلحة والذخائر والقنابل النووية، أو المخلفات التي تنتج عن المفاعلات النووية في الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية أو محطات توليد الكهرباء، وهذه تُعد قنابل ذرية موقوتة وتدخل في باب مخلفات الدمار الشامل. فالولايات المتحدة الأمريكية مازالت تتخبط في إدارة هذه المخلفات المشعة التي بلغت عشرات الآلاف من الأطنان والمخزنة بعضها في باطن الأرض، أو في برك مائية بصفةٍ مؤقتة في أكثر من ثلاثين موقعاً، ولم تتمكن حتى يومنا هذا من إيجاد الحل الجذري والمستدام.

واليابان فمعاناتها مركبة، فهي من جهة تقاسي من تكدس مخلفات محطات توليد الطاقة منذ عقود، ومن جهةٍ أخرى فهي تقف حائرة أمام كابوسٍ مخيفٍ نزل عليها في مارس عام 2011،عندما احترقت مفاعلات فوكوشيما وولدت آلاف الأطنان من المخلفات المشعة الغازية، والسائلة، والصلبة، وشبه الصلبة والتي تحتاج إلى طرقٍ آمنة وسليمة لمعالجتها والتخلص منها. 

وبريطانيا العظمى هي أيضاً تقف عاجزة أمام مئات الآلاف من قنابل الدمار الشامل المشعة التي تكدست ومازالت تتكدس بشكلٍ يومي عبر السنوات، ولم تنجح حتى كتابة هذه السطور في إيجاد المثوى الأخير لها.

كذلك فإن كوريا الجنوبية تواجه أزمة حقيقية بسبب المخلفات المشعة الناجمة عن تشغيل 23 محطة لتوليد الكهرباء والتي تعمل بالطاقة الذرية، فالكمية الموجودة حالياً تقدر بنحو 9000 طنٍ مخزنة في ظروفٍ غير آمنة في بركٍ مائية لا تتسع لهذه الأحجام الكبيرة والمتزايدة سنوياً.

وبناءً عليه فإن هذه الدول النووية التي تكتظ على أراضيها بمخلفات القنابل والأسلحة الذرية المشعة، عليها أن تأخذ حذرها وتتحرك سريعاً لإيجاد حلولٍ دائمة لهذه المخلفات، وإلا فستنقلب عليها، وستأتيها الضربة النووية من داخلها، ومن حيث لا تحتسب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق