الأربعاء، 22 يناير 2020

فيروس كورونا يضرب من جديد (1 من 2)

بينما كان الصينيون يستعدون للاحتفال بموسم الأعياد والإجازات الرسمية، وبالتحديد بمناسبة رأس السنة الصينية القمرية الجديدة، وإذا بهم فجأة وبدون سابق إنذار ينزل عليهم ضيف ثقيل، ويحل عليهم وباء سقيم، حوَّل أعيادهم وأفراحهم إلى مأتم وعويل، وحول بهجتهم وسرورهم إلى حزنٍ عميق وألمٍ شديد. وهذا الضيف الثقيل لم ينزل عليهم اليوم ولأول مرة، وإنما كان معهم في عام 2002 عندما ترك آثاره الصحية المدمرة واضحة على المجتمع الصيني، ووضع بصمته العصيبة على عددٍ كبيرٍ من الشعب الصيني، بل وانتقل هذا الضيف ليزحف إلى أكثر من 24 دولة ومدينة آسيوية أخرى حتى وصل إلى كندا، فكانت المحصلة النهائية انتقال نحو 800 إنسان إلى مثواهم الأخير، وسقوط أكثر من 8098 مرضى وفريسة سهلة لهذا الضيف العقيم.

فلا شك بأن الجميع يتذكر الوباء القاتل الذي ضرب الكثير من دول العالم في الفترة من عام 2002 إلى 2004، وبخاصة دول آسيا، وعندها أعلنتْ دول العالم قاطبة حالة الطوارئ القصوى، واتخذت إجراءات حازمة وشديدة لمنع انتقال وحركة هذا الضيف بين مدن العالم وبين البشر، وأُطلق عليه باختصار مرض سارس(acute respiratory syndrome (SARS))، أو المرض الحاد والقاتل الذي يصيب الجهاز التنفسي ويصيب الالتهاب الرئوي. أما بالنسبة للوباء الحالي فإن الاسم الحقيقي لهذا الضيف المتهم الذي وقف وراء هذه الكارثة الصحية الحادة والطامة البشرية الكبرى هو نوع غامض وجديد لم يُعرف من قبل من سلالة وعائلة من الفيروسات يُطلق عليها بفيروس كُرُونا، والاسم العلمي المؤقت هو(2019-nCoV).

فها هو هذا الضيف المرعب يرجع مرة ثانية بعد غيابٍ طويل دام أكثر من 18 عاماً ليضرب المدن الصينية من جديد، حيث ظهر في ديسمبر من العام المنصرم في مدينة ووهان (Wuhan) التي تُعد المدينة الأكبر الواقعة في مركز ووسط الصين في مقاطعة هوباي(Hubei province) ويبلغ عدد السكان 11 مليون نسمة، فبدأ من هناك انطلاقته الأولى في غزو مدنٍ صينية أخرى، فبلغ العاصمة بكين، ووصل إلى مدينة شنزن(Shenzhen) على حدود هونج كونج ومدن أخرى كثيرة مثل وينزو وزوشان وتايزو(Wenzhou, Zhoushan, Taizhou)، ومن الصين أخذ طريقه إلى دول أخرى مثل تايلند واليابان وكوريا الجنوبية، حيث اكتشفت حالات مرضية ترجع إلى التعرض لهذا الفيروس العقيم.

فهذا الاكتشاف الجديد لهذا الفيروس المرعب دق ناقوس الخطر على المستوى الدولي، كما حدث بالفعل عند ظهور مرض سارس، واضطرت الآن منظمة الصحة العالمية للتدخل في هذا الشأن الصحي الصيني الذي له عواقب وخيمة على الإنسانية برمتها ولا يمكن التفرج عليه والاعتماد فقط على الجهود والتصريحات الصينية، حيث عقدت المنظمة اجتماعاً طارئاً في 22 يناير لمناقشة هذه الحالة المرضية المهددة لصحة المجتمع الدولي والعمل على تحديد الإجراءات الدولية لمواجهة ومكافحة هذا التهديد الجديد.

 فهذا الفيروس معدي حسب إعلان السلطات الصينية الصحية نفسها في 21 يناير ، مما يعني أنه ينتقل بين البشر بسرعة فائقة وعلى نطاق جغرافي واسع، مما اضطرهم إلى اتخاذ إجراءات وقائية حاسمة وشديدة من خلال وضع نقاط مراقبة وكشف صحي لقياس درجات حرارة الناس ووضع أدوات التعقيم في كافة محطات المواصلات، من مطارات وحافلات وقطارات، وبالتحديد في مدينة ووهان مسقط رأس هذا الفيروس الخطير، إضافة إلى استنفار عام لكافة المستشفيات والمراكز الصحية والأطباء وجميع العاملين في المجال الصحي وتخصيص غرفٍ خاصة لعزل المرضى المصابين بهذا الفيروس. علماً بأن هناك بعض الدول التي اتخذت إجراءات وقائية وعلاجية مماثلة مثل هونج كونج، وسنغافورا، واليابان، وماليزيا، والولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت في 17 يناير ممثلة في مراكز منع والتحكم في المرض عن فحص المسافرين الصينيين في المطارات باستخدام الثرموميتر الحراري(أشعة تحت الحمراء).

ونظراً لخطورة الوضع وجدية الموقف فقد تدخل الرئيس الصيني لمواجهة هذه الكارثة الصحية والأزمة حيث قال في 20 يناير بأن على الجهات الحكومية الصحية والمختصين في هذا المجال التحرك سريعاً لمكافحة هذا المرض الفيروسي الغامض، حيث إن تنقل الملايين أثناء إجازة رأس السنة الجديدة يشكل تحدياً صحياً كبيراً لاحتواء هذا المرض.

أما عن الحقائق المعروفة حتى الآن حول هذه الطامة الصحية الجديدة فيمكن تلخيصها في ما يلي:
أولاً: هذا الفيروس الغامض والجديد مصدره مدينة ووهان، وبالتحديد السوق المركزي للمدينة والمختص ببيع الأسماك والكائنات البحرية الأخرى، إضافة إلى بيع الكائنات الفطرية المحلية من طيور وحيوانات وغيرهما والذي تم إغلاقه في الأول من يناير للسيطرة على مصدر المرض ومنع انتشاره.
ثانياً: هذا الفيروس يندرج تحت سلالة فيروس كرونا، ويشبه الفيروس الذي تسبب في وباء سارس المعروف والمسبب للالتهاب الرئوي الحاد، ولكن هذا النوع الجديد والغريب من سلالة وعائلة هذه الفيروسات تم اكتشافه في الثامن يناير وأطلق عليه حالياً(2019-nCoV).
ثالثاً: هذا المرض معدي وينتقل بين بني البشر وبين الحيوانات عن طريق السعال، والعطاس، والاتصال مع إنسان مريض يحمل هذا الفيروس، ولذلك فإن تهديداته المستقبلية واقعية وخطيرة، وبخاصة بالنسبة للدول التي تتمتع بكثافة سكانية عالية كالمدن الصينية الكبيرة.
رابعاً: أعراض المرض تشبه أعراض مرض سارس، وتتمثل في الإصابة بضيق التنفس، وآلام في الصدر، والحرارة المرتفعة، والسعال المستمر، والشعور بالتعب والإرهاق المستمرين.
خامساً: عدد الحالات حسب التصريحات الصينية الرسمية بلغ 218 حالة حتى كتابة هذه السطور، مات منه أربعة أفراد، ولكن جهات أخرى غير صينية تُشكك في هذه الرواية الصينية وتعتبرها غير دقيقة، حيث نشرت الجامعة اللندنية المرموقة "إمبريال كولج"( Imperial College London‌)، وبالتحديد مركز تحليل الأمراض المعدية الدولية، مقالاً في 17 يناير تحت عنوان: "تقدير عدد الحالات الإجمالي المحتمل لفيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية"، حيث قدَّر العلماء بأن عدد الحالات حتى 12 يناير قد يتراوح بين 1500 و 1723 حالة، استناداً على معطيات علمية وميدانية كثيرة ذكرها المقال، إضافة إلى الخبرات السابقة التي وقعت في العالم لمثل هذه الحالة.

والأيام القادمة ستكشف لنا المزيد عن هذا الفيروس الغامض الجديد، وسنتابع تفاصيل هذا الفيروس لنتعرف على كيفية وسبل العلاج وطرق الوقاية منه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق