الاثنين، 6 يناير 2020

أين نحن من مؤشرات التنمية المستدامة؟


التنمية المستدامة سياسة تنفيذية تبنتها دول العالم في القمة البيئية التاريخية التي عُقدت في مدينة ريو دي جانيروا في البرازيل في يونيو 1992 تحت عنوان: "البيئة والتنمية"، وشارك لأول مرة في التاريخ رؤساء ورؤساء الحكومات في كل دول العالم في مؤتمرٍ مثل هذا الذي انصبَ همُّه في مناقشة القضايا البيئية الدولية، وتوجه اهتمامه وشأنه الأول لمواجهة المشكلات البيئية العظمى كالتغير المناخي والتنوع الحيوي وغيرهما من المشكلات الدولية التي تشترك فيها كل دول العالم، ويقع تأثيرها وأضرارها على الجميع بدون استثناء.

ومن أهم الوثائق الرسمية التي تمخضت عن المؤتمر ولاقت استحسان ورضا الجميع هو جدول أعمال القرن الحادي والعشرين، أو ما يُعرف بأجندة 21، حيث دعتْ هذه الوثيقة دول العالم في الفصل الأربعين تحت عنوان: "معلومات لاتخاذ القرار" إلى تطوير مؤشرات خاصة بها لقياس مدى فاعلية ونجاح البرامج الخاصة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وجاء في البند السادس "على الدول على المستوى القومي والمنظمات الوطنية والدولية تطوير مفاهيم خاصة بمؤشرات التنمية المستدامة ثم في الخطوة الثانية تحديد هذه المؤشرات. ومن أجل تطوير وتحديد هذه المؤشرات يمكن للدول الاستعانة بالمعلومات والخبرات المتوافرة لدى سكرتارية الأمم المتحدة، وبالتحديد في مكتب الإحصاءات".

وبذلك تكون الأمم المتحدة قد حولتْ سياسة ومصطلح "التنمية المستدامة" من خُطب رنانة لا قيمة لها، ومن شعارات ترفعها الدول دون مضمون محدد ومفهوم واضح إلى آلية تقيس فيها الدول نجاحها لتحقيق هذا النمط الجديد للتنمية، كما إن الأمم المتحدة حولت "التنمية المستدامة" من مصطلح نوعي لا جدوى عملي منه إلى مصطلح كمي ورقمي يُستفاد منه لمعرفة مدى فشل أو نجاح جهود وبرامج التنمية، إضافة إلى قُدرة هذا المصطلح الآن إلى توجيه بوصلة التنمية بشكلٍ صحيح وسليم نحو الاستدامة في جميع النواحي وفي كافة القطاعات. والأهم من ذلك كله هو أن الشعوب والأجهزة التشريعية تستطيع الآن محاسبة الحكومات بأسلوب منهجي وعلمي دقيق، وتتمكن من مراقبة أدائها من خلال مؤشرات التنمية المستدامة التي تقيس جودة الأداء، وتقيِّم فاعلية البرامج التي تضعها الحكومات، وتتمكن بالتالي من الحُكم بالأرقام وبأسلوب كمي رقمي على مدى إخفاق أو نجاح الحكومة في تحقيق التنمية المستدامة عبر السنوات، وهل نجحت الحكومات في المضي نحو الأفضل والأصلح خلال سنوات حكمها.

وقد سعتْ واجتهدت دول العالم ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى منذ أكثر من عقدين من الزمان إلى تطوير هذه المؤشرات التي تقيِّم مدى تحقيق أهداف التنمية المستدامة بكل أبعادها البيئية، والاجتماعية، والاقتصادية وفي كافة المجالات والقطاعات، ولذلك هناك اختلافات وتباينات طفيفة في تحديد هذه المؤشرات بين الدول والمنظمات، ولكنها جميعها تتفق على الأسس والأفكار العامة حول هذه المؤشرات. فعلى سبيل المثال، هناك وثيقة الأمم المتحدة تحت عنوان: "مؤشرات التنمية المستدامة" المنشورة في أكتوبر 2007، إضافة إلى الوثيقة التي أعدتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا تحت عنوان:" مؤشرات التنمية المستدامة في المنطقة العربية وربطها بأهداف التنمية المستدامة العالمية"، حيث تم تحديد 44 مؤشراً للتنمية المستدامة المتعلقة بالأبعاد أو الأركان الثلاثة للتنمية المستدامة، منها 15 مؤشراً في مجال التنمية الاجتماعية، و 13 مؤشراً في جانب تحقيق التنمية البيئية، و 16 مؤشراً في مجال التنمية الاقتصادية.

وأود هنا التركيز على المؤشرات التي لها علاقة بقياس وتقييم مدى نجاح الدول في تحقيق التنمية البيئية المستدامة ومدى فاعلية برامجها الخاصة بالقطاع البيئي. فعلى سبيل المثال، هناك المؤشرات التي تأتي تحت عنوان رئيس: "أنماط الاستهلاك والإنتاج"، كالمؤشر الخاص باستهلاك الموارد، واستهلاك مصادر الطاقة، وأخيراً المؤشر الذي يحدد التغير السنوي في كمية ونوعية إنتاج المخلفات المنزلية والصناعية الخطرة وغير الخطرة، وهذا المؤشر يحدد فاعلية برامج الدولة التنفيذية المتعلقة بمنع إنتاج المخلفات بجميع أشكالها وأنواعها من مصادرها ويقيس مدى نجاح الدولة في عمليات تدوير المخلفات بهدف خفض الإنتاج كل عام.

كذلك هناك المؤشر المعني بالغلاف الجوي ويحتوي على عدة مؤشرات منها تغير المناخ، واستنفاد طبقة الأوزون، وأخيراً المؤشر الخاص بجودة الهواء الجوي والذي يبين قدرة برامج الدولة على التصدي للملوثات الرئيسة التي تنبعث إلى الهواء الجوي مثل غاز الأوزون وأول أكسيد الكربون والدخان أو الجسيمات الدقيقة وأكاسيد النيتروجين والكبريت، فأي تحسنٍ وتطورٍ سنوي في جودة الهواء، وأي انخفاضٍ مع الزمن في تركيز هذه الملوثات في الهواء الجوي يثبت نجاح برامج الدولة في هذا المجال وتحقيقها لأهداف التنمية البيئية المستدامة.

فأين تقع مملكة البحرين بالنسبة لهذه المؤشرات الخاصة بالتنمية المستدامة في القطاع الاجتماعي، والاقتصادي، والبيئي؟

وهل طورتْ البحرين وحدَّدتْ المؤشرات القومية الخاصة بها لقياس مدى فاعلية ونجاح برامجها في مجال تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في كافة القطاعات؟

إن هذه المؤشرات ضرورية لأسباب كثيرة منها إعطاء مصداقية وثقة لفاعلية وجدوى البرامج الحكومية أمام المواطنين، ومنها تحسين وتطوير الأداء الحكومي في كل سنة بعد دراسة هذه المؤشرات ومدى ارتفاعها أو انخفاضها، ومنها دعم ومساعدة الحكومة على اتخاذ القرار السليم ومراجعة هذه القرارات عاماً بعد عام لتصحيح العملية التنموية في البلاد ومنعها من الانحراف والضياع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق