الخميس، 9 يناير 2020

لماذا لا نرفع سن بيع السجائر إلى 21؟


بالرغم من أنني أدعو منذ سنوات إلى جعل البحرين مستقبلاً خالية من التدخين بجميع أنواعه وأشكاله، سواء أكان سجائر التبغ التقليدية، أو الشيشه، أو السجائر الإلكترونية، أو غيرها من المنتجات التي لا نفع لها وضررها معروف ومحتوم، إلا أنني مرحلياً وعلى المدى القريب أدعو إلى تنفيذ أي إجراءٍ من شأنه خفض أعداد المدخنين في البحرين، كما أعمل على اتخاذ أية خطوة للأمام تعمل على تشجيع الناس على العزوف عن التدخين والابتعاد عن هذه الآفة المرضية القاتلة.

وهذه الدعوة مبنية على استنتاجٍ علمي وميداني موثوق عمره أكثر من خمسين عاماً، وبالتحديد منذ التقرير التاريخي للمسؤول الأول(الجراح العام) عن الصحة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية والمنشور في 11 يناير 1964 تحت عنوان "التدخين والصحة"، والذي أكد فيه بأن التدخين له علاقة مباشرة بتدهورات صحية خطيرة من بينها الإصابة بسرطان الرئة والحنجرة وأمراض القلب، ثم بعد هذا التقرير نُشرتْ ومازالت حتى اليوم تُنشر دراسات وأبحاث مستفيضة وكثيرة تصب في نتيجة واحدة هي عدم وجود أي جدوى للسجائر والتدخين عامة على الشعوب أو الحكومات، سواء أكانت من الناحية الاقتصادية، أو البيئية، أو الصحية، أي أن السماح للتدخين في نهاية المطاف يتعارض مع أهداف تحقيق التنمية المستدامة التي تسعى مملكتنا الغالية إلى تنفيذها، وبالتحديد في القطاعين الصحي والبيئي.

أما من الناحية البيئية الصحية فليس العلماء والأطباء ومنظمات الأمم المتحدة المعنية فقط هي التي تُجمع بأن التدخين مهلك لصحة الإنسان وينقله إلى مثواه الأخير في سنٍ مبكرة، وإنما تعترف وتُقر الشركات المنتجة للتبغ والمصنعة للسجائر بأن هذه السجائر التي ينتجونها هم بأيديهم تقتل البشر وتُسقطهم في أكثر من 14 نوعاً من أنواع السرطان، إضافة إلى الإصابة بأمراض القلب والجهاز التنفسي، وهذه النتيجة الحتمية للتدخين لا تنزل فقط على جيل المدخنين ومن يجلس معهم أثناء التدخين، وإنما على الأجيال اللاحقة على حدٍ سواء نتيجة للتأثيرات والأضرار التي يلحقه التدخين بالمرأة الحامل وعلى جنينها مباشرة، أو من خلال انتقال الملوثات مع الوقت إلى دم الجنين ثم إلى كل خلية من خلايا جسمه الضعيف والصغير والهش وتراكمها هناك يوماً بعد يوم وتعريضه لشتى أنواع التهديدات والمضاعفات، وستكون له عواقب وخيمة على نمو هذا الجنين جسدياً وعقلياً، وتسبب تعقيدات في الحمل والولادة قد تؤدي إلى الولادة المبكرة أو وفاة الجنين.

فعُلب السجائر نفسها التي تُباع في البحرين وفي جميع دول العالم تُكتب عليها الاعترافات التالية:
ü   "دخان التبغ يؤذي الجنين وقد يؤدي لنقص الوزن عند الولادة، أو الولادة المبكرة".
ü   "التدخين يسبب الوفاة المبكرة".
ü   "التدخين يحرق أعضاء الجسد بأكثر من 25 مرضاً بما في ذلك السرطان والأمراض القلبية".

وعلاوة على هذه الاعترافات الصريحة من شركات التبغ حول أضرار التدخين، فإنها أيضاً قامت هي بيديها في ديسمبر 2017 ولمدة سنة واحدة بتمويل ودَعمِ نشر إعلانات في وسائل الإعلام الأمريكية المختلفة تقول: "التدخين يقتل نحو 1200 أمريكي كل يوم، وفي كل سنة أعداد الأمريكيين الذين يموتون بسبب التدخين أعلى بكثير من الذين يموتون بسبب الجرائم، والايدز، والانتحار، والمخدرات، وحوادث السيارات، وشرب الخمر معاً"، كما يُضيف الإعلان قائلاً: "شركات السجائر صمَّمتْ عمداً سجائر تحتوي على نسب كافية من النيكوتين لتؤدي إلى الإدمان مع الوقت".

وأما من الناحية الاقتصادية فإن كل ما يدخل في جيب الحكومة وفي ميزانيتها من أموال الضرائب المفروضة على السجائر، فإنها تخرج في الوقت نفسه مباشرة كنفقات ومصاريف التشخيص والعلاج على المرضى الذي يسقطون ضحية التدخين، إضافة إلى الأموال التي تصرفها وزارة الصحة والوزارات والجهات المعنية الأخرى على جهود وبرامج الوعي من مخاطر التدخين، وربما تكون هذه النفقات العلاجية وغيرها من المصروفات أعلى من مدخول الضرائب، مما يجعلني دائماً أسأل نفسي: لماذا تسمح الحكومة ببيع هذا السم الذي لا جدوى منه كلياً، ولا مبرر منطقي لتسويقه؟

وهذه الحقائق الآن معلومة لدى الجميع ولا تختلف عليها الدول أو البشر، ولكن ضغط وهيمنة شركات التبغ الكبرى متعددة الجنسيات ونفوذها المتغلغل والمسيطر على مفاصل الدول وعلى رجال السياسة والقانون والنفوذ في معظم دول العالم، تُكبل يد الحكومات وتضع الأغلال في أعناقها، فتُضعف قدرتها على اتخاذ قرار المنع الكلي والتوقف عن بيع السجائر بشكلٍ نهائي وقطعي، مما يضطرها إلى العمل بسياسة أخف الضررين وأهون الشرين، وهي اتخاذ إجراءات تُضيِّق على التدخين والمدخنين، وتخفف من وطأته على المجتمع بشكلٍ عام.

ومن هذه الإجراءات ما قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة في إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، حيث أعلنت في 27 ديسمبر من العام الجاري أنها ستبدأ فوراً في تنفيذ القانون الخاص برفع سن الذين يُسمح لهم بشراء أيٍ من منتجات التبغ إلى 21 سنة بدلاً من 18، ومنها السجائر، والسيجار، والسجائر الإلكترونية، وغيرها من المنتجات التي يدخل التبغ والنيكوتين في تكوينها، علماً بأن الرئيس ترمب قد وقع على هذا القانون الجديد في العشرين من ديسمبر.

فلماذا لا نحذو حذو الولايات المتحدة الأمريكية ونُقرر رفع سن التدخين، أم أن الحكومة الأمريكية أشد حباً وحرصاً على مواطنيها وشبابها مِنَّا نحن؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق