الاثنين، 20 يناير 2020

رُؤيتي لبرنامج المدن الصحية

اهتمتْ وسائل الإعلام المحلية مؤخراً بنشر الأخبار المتعلقة ببرنامج "المدن الصحية" والذي يقوم بتنفيذه بعض المدن والمحافظات في البحرين، وهذا البرنامج يتماشى مع الجهود الدولية والبرامج العالمية التي تُحدثها منظمات الأمم المتحدة، وبالتحديد في هذا الصدد منظمة الصحة العالمية.

وقبل الولوج في واقعية تنفيذ هذا البرنامج على المستوى الوطني، لا بد لي من تقديم الأسس التي يقوم عليها هذا البرنامج، والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها حسب منظور منظمة الصحة العالمية، إضافة إلى رؤيتي لكيفية تطبيق هذا البرنامج في البحرين بطريقة فاعلة وبأقل التكاليف المالية والإدارية وباستخدام المدخل الشامل والمتكامل.

فقد تبلورتْ ونضجت فكرة البرنامج الذي أُطلق عليه "المدن الصحية" بشكلٍ واضح وعملي في عام 1986، حيث تبنت منظمة الصحة العالمية هذا البرنامج وجعلته ضمن برامجها الأخرى، وحثَّت مدن العالم على تطوير هذه الفكرة وبما يتناسب مع ظروفها الإدارية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والفنية، وقدَّمتْ تعريفاً واضحاً للمدن التي تنوي تنفيذ هذا البرنامج، ويتلخص التعريف في أن المدينة الصحية "هي المدينة التي تعمل باستمرار على إعداد وتطوير بيئة طبيعية واجتماعية، كما تسعى دائماً على تعريف المواطنين بكيفية تنمية موارد مجتمعهم ودعم بعضهم البعض في تنفيذ جميع أنشطة الحياة وفي تطوير واستغلال جميع ما لديهم من إمكانات كامنة".

كما حدَّدتْ المنظمة الأهداف الرئيسة لهذا البرنامج الطموح، وهي:
أولاً: تكوين بيئة صحية مساندة.
ثانياً: تحسين جودة ونوعية الحياة ومعيشة الإنسان.
ثالثاً: توفير الاحتياجات الأساسية والضرورية في مجال النظافة العامة سواء أكانت إدارة المخلفات أو مياه المجاري أو مياه المصانع.
رابعاً: توفير وتسهيل الحصول على الخدمة الصحية للجميع.
خامساً: تحسين جودة الهواء والماء ومكونات البيئة الأخرى.

وهذا البرنامج يصب في البرامج والأهداف الأخرى التي تنوي المنظمات الأممية الأخرى تحقيقها، وبالتحديد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وبخاصة الأجندة 2030 للتنمية المستدامة، والتي وضعت وحددت 17 هدفاً، ومنها الهدف رقم (11) الذي جاء فيه: "جعل المدن والمستوطنات البشرية آمنة ومستدامة ومرنة وتغطي كل احتياجات الإنسان".

أما بالنسبة لتنفيذ هذا البرنامج في البحرين فإنني أُقدم التصورات والمرئيات التالية حول هذا البرنامج، وألخصها في النقاط التالية:
أولاً: هناك عدة برامج اقترحتها منظمات الأمم المتحدة المتعددة، وكل برنامج يغطي جزءاً من برنامج المدن الصحية، مثل برنامج "المدن الخضراء"، أو برنامج "المدن البيئية"، أو برنامج "المدن الصديقة للبيئة"، وهناك في المقابل البرنامج أو السياسة الشاملة التي أصبحت الآن من السياسات المعتمدة في مملكة البحرين وهي "التنمية المستدامة". وبناءً عليه أقترح برنامجاً بديلاً للمدن الصحية، وأدعو أن تعتمد البحرين برنامجاً خاصاً أُطلق عليه "الدولة المستدامة"، وليس "المدن المستدامة". وهذا البرنامج يتوافق ويغطي ويشتمل على الجانب "الصحي" المتمثل في "المدن الصحية"، كما أن البحرين صغيرة جداً من ناحية المساحة الجغرافية، ومواردها المالية والفنية والبشرية محدودة ولا تتحمل تشتيت وبعثرة الجهود وزيادة النفقات والتكاليف الإدارية في العمل نحو "المدن الصحية"، أي كل مدينة تعمل لوحدها بشكلٍ مستقل ومنفرد، فلن تكون العملية برمتها مجدية اقتصادياً ولا إدارياً، وخاصة أن الحكومة تدعو دائماً إلى ترشيد النفقات وتقليل المصاريف وتجنب الترهدل الإداري.
ثانياً: لكي يُكتب النجاح لبرنامج "الدولة المستدامة" علينا اتخاذ الإجراءات والخطوات العملية والواقعية التي تضمن نجاحه واستدامته. والخطوة الأولى تكون في مباركة الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء على هذا البرنامج، واتخاذ القرار السياسي المناسب لمثل هذه البرامج، حتى يكون مجلس الوزراء هو المظلة الحامية لهذا البرنامج، والداعم والراعي الأول لتأكيد البدء فيه وتنفيذه بنجاح على أرض الواقع، إضافة إلى إلزام كل الوزارات والهيئات والمجالس الحكومية التنفيذية للتعاون مع هذا البرنامج ومد يد العون والمساعدة له. والخطوة الثانية التي تلي خطوة القرار السياسي هي لا تقل أهمية وضرورة، وهي تخصيص الميزانية السنوية اللازمة لتنفيذ هذا البرنامج، فبدون توفير الدعم المالي المستمر لا يمكن أن تكتب الاستدامة لهذا البرنامج.
ثالثاً: برنامج "الدولة المستدامة" حسب اقتراحي، هو برنامج يأخذ في الاعتبار المدخل المتكامل والشامل، ويشمل جوانب متعددة هي الجانب الصحي البيئي، والجانب الاجتماعي، والجانب الاقتصادي، ولذلك بحاجة إلى لجنة مشتركة، أو فريق عمل متعدد التخصصات، وأقترح أن يُشكل من ممثلين من السلطة التنفيذية، والتشريعية، ومن الجامعات ومنظمات المجتمع المدني، بحيث إن أعضاء هذه اللجنة يغطون كافة الأبعاد والجوانب المطلوبة لتحقيق أهداف "الدولة المستدامة"، وتَرفعْ هذه اللجنة توصياتها مباشرة إلى مجلس الوزراء لاعتمادها وتنفيذها.
رابعاً: على اللجنة أن تضع وتحدد مؤشرات لقياس مدى فاعلية البرنامج ونجاح تنفيذه على المستوى الوطني، بحيث يتم تقييم ودراسة وتحديث هذه المؤشرات بشكلٍ سنوي.

فإذا طبقنا هذا الاقتراح سنكون قد ضربنا عصافير كثيرة بحجرٍ واحد فقط.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق