الأربعاء، 1 يناير 2020

مليونان طن من المخلفات في البحرين ومؤشرات سلبية للتنمية المستدامة


توقفتُ كثيراً عندما قرأتُ الخبر المنشور في وسائل الإعلام المحلية حول الإنتاج الإجمالي للمخلفات البلدية غير الخطرة في البحرين، والتي بلغتْ في عام 2018 إلى قرابة مليوني طن من المخلفات الصلبة بجميع أنواعها، أو بشكلٍ دقيق 1.957 مليون طن، علماً بأن المخلفات المنزلية التي ننتُجها نحن في منازلنا وبيوتنا تصل إلى 1.16 مليون طن.

وبعد قراءتي للخبر، رجعتُ إلى التقارير والتصريحات السابقة الرسمية المنشورة حول كمية المخلفات الصلبة التي أنتَجتْها البحرين خلال السنوات السابقة لأُقارنها بالإنتاج الحالي من حيث الزيادة والارتفاع في الحجم أو الانخفاض والنقصان، حيث إن الإنخفاض السنوي لإنتاج المخلفات في الدول يُعد من مؤشرات النجاح في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ففي عام 2011 تجاوزت كمية المخلفات الإجمالية الصلبة 1.2 مليون طن في السنة وبنسبة زيادة رهيبة ومقلقة للغاية عن السنوات السابقة كعام 2009، على سبيل المثال، حيث وصلت نسبة الزيادة زهاء 300%، كما أن إنتاج الفرد في لهذه المخلفات في البحرين بلغ مستويات مرتفعة مقارنة بالأفراد في باقي دول العالم، حيث وصل إلى 2.7 كيلوجرام في اليوم. أما في عام 2015 فقد ارتفعت الكمية مجدداً وبوتيرة متسارعة وكبيرة ووصلت إلى قرابة  1.5 مليون طن، ثم زادت مرة أخرى في عام 2016 وبلغت قرابة 1.8 مليون طن، والآن بلغ عداد المخلفات الصلبة قرابة مليونين طن.

ولذلك يمكن الاستنتاج بكل ثقة ومصداقية من هذه الأرقام والتقارير بأننا أمام ظاهرة غير صحية وغير مستدامة من الناحية البيئية والصحية والاجتماعية والاقتصادية ويجب عدم تجاهلها وإهمالها وتركها للأيام والسنون دون علاجٍ جذري وعلمي مستدام، وهذه الظاهرة الجلية تتمثل في الطفرة المشهودة المرتفعة سنوياً لأحجام المخلفات الصلبة التي تَنتُج في البحرين، سواء أكانت المخلفات البلدية الصلبة غير الخطرة بجميع أنواعها، أو المخلفات الصناعية بنوعيها الخطرة وغير الخطرة.   

فهذه الظاهرة المتمثلة في الارتفاع المطرد سنوياً في أحجام المخلفات بشكلٍ عام تعكس السياسة التنموية المتبعة في البحرين، وتشير إلى نوعٍ غير مستدام من أنماط التنمية لا يأخذ في الاعتبار إلا الجانب الاقتصادي البحت، ولا يضع في الحسبان الجوانب الأخرى المرتبطة بأي عملٍ تنموي أو برنامج تقوم به الحكومة، وبالتحديد تأثرهما على البعدين الاجتماعي والبيئي وانعكاسهما على احتياجات البنية التحتية والخدمات الأخرى المساندة. فمن المفروض قبل الشُروع في أي مشروع إسكاني، أو سياحي، أو صناعي، أو تجاري، أو غيرها من المشاريع الأخرى أن نُقدر أولاً الاحتياجات الإضافية للمشروع من ناحية الزيادة المتوقعة في أعداد السيارات وبناء شوارع جديدة ومواقف حديثة إضافية للسيارات وإنشاء محطات للمحروقات، إضافة إلى الزيادة في كمية إنتاج الملوثات والمخلفات الصلبة والغازية والسائلة التي تنجم عن كل مشروع وبناء مواقع لمعالجة هذه المخلفات بشتى أنواعها، وبخاصة القمامة ومياه المجاري، كما يجب توقع أحجام استهلاك هذه المشاريع للماء والكهرباء وبالتالي بناء محطات لتوليد الكهرباء والماء، كذلك فإن الزيادة السكانية للمشاريع تحتاج إلى بناء المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس، وغيرها من الخدمات الضرورية التي تحتاج إليها كل هذه المشاريع.

فكل مشروعٍ نقوم به يولِّد ضغطاً إضافياً على مرافق البنية التحية والخدماتية الموجودة في بلادنا، وكل زيادة في عدد المقيمين يشكل عبئاً جديداً على هذه الخدمات، فإذا لم تواكب مرافق البنية التحتية بكافة أنواعها كل هذه الزيادات المستمرة في الأنشطة التنموية، فسنواجه صعوبات جمة وعوائق كبيرة لاستدامة أعمال التنمية.

فهذا الارتفاع المشهود في أحجام المخلفات كل سنة هو أحد المؤشرات السلبية على النمط التنموي الذي نتبناه في البحرين. فسياستنا واستراتيجيتنا بالنسبة للمخلفات عامة بكافة أنواعها وأشكالها المنزلية الصلبة والسائلة وغير المنزلية يجب أن تُبنى على أساس تحقيق التنمية المستدامة، كما أن أولوياتنا في إدارة المخلفات يجب أن تسير على نهجه.

فالسياسة الحالية المتبعة في البحرين بالنسبة للتعامل مع المخلفات الصلبة وإدارتها تعتمد على "المعالجة"، أي أننا نسمح بإنتاج المخلفات مهما كانت أحجامها من مصادرها المتعددة والمختلفة ثم نُفكر في سبل علاجها والتخلص منها، أي أن الأولوية تكون للعلاج. وهذه السياسة غير مستدامة ولا تتماشى مع روح وأهداف التنمية المستدامة التي تتبنى سياسة واستراتيجية "المنع" فتكون أولويتها هي الوقاية.

فالسياسة التي أدعو إلى تبنيها في البحرين مستخلصة من الحكمة القديمة القائلة "الوقاية خير من العلاج"، فهذه السياسة كما أننا يجب أن نُطبقها في القطاع الصحي، فنعمل على اتخاذ الإجراءات وتنفيذ البرامج اللازمة لمنع وقوع المرض من مصدره قبل أن نضطر إلى علاجه، فهذه السياسة نفسها علينا تطبيقها في القطاع البيئي، وهنا بالتحديد في مجال المخلفات، سواء أكانت المنزلية، أو التجارية، أو الصناعية. ومن أجل تطبيق سياسة منع إنتاج المخلفات من مصادرها علينا تنفيذ برامج محددة تنظر في كيفية خفض إنتاج الفرد للمخلفات من منزله، ومكتبه، ومكان عمله بشكلٍ يومي، إضافة إلى حثَّ الشركات التجارية والمصانع وتقديم الحوافز التشجيعية لها لخفض إنتاجها من المخلفات البلدية الصلبة.

فنجاحُنا في خفض إنتاج المخلفات بكل أنواعها كل سنة يُعتبر نجاحاً للبحرين في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة التي هي من أولويات البرنامج الحكومي ويتماشى مع التوجهات الدولية في هذا المجال، إضافة إلى خفض تكاليف إدارة المخلفات وتقليل الإنفاق عليها من ميزانية الدولة.        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق