الجمعة، 24 يناير 2020

فيروس كُورونا يضرب من جديد (2 من 2)


عندما تحل نازلة بيئية أو صحية في دولة من الدول سواء أكانت في أقصى الشرق أو في أدنى المغرب، فتقع الواقعة الكبرى وتتزلزل الأرض من تحت أقدام البشر، فعندها أسأل نفسي فوراً عدة أسئلة، وأبحث عن الإجابة عنها سريعاً وبدقة ومن خلال المصادر العلمية الموثوقة، ومن بين هذه الأسئلة: كيف وقعت الواقعة ونزلت هذه الكارثة؟ وهل نحن في البحرين أو في منطقة الخليج بمنأى عن تداعيات هذا الكارثة فلن تصل آثارها إلينا؟ وما هي سبل الوقاية منها ومنع وقوعها في بلادنا في المستقبل؟
فاليوم أواصل الحديث معكم حول هذا الكارثة الصحية العقيمة التي نزلت على مدينة ووهان (Wuhan)، واحدة من أكبر مدن الصين، ويقطنها نحو 11 مليون نسمة، وأحاول أُن أجيب عن تساؤلاتي التي تدور في ذهني عند وقوع مثل هذه الحالة المرضية الجماعية التي أَصابتْ حتى كتابة هذه السطور وخلال أيامٍ قليلة 571، مات منهم 17، وأَدخلتْ أكثر من ألفي صيني في المستشفيات ليكونوا تحت المراقبة والملاحظة الصحية الدقيقة.
فقصة هذا الوضع الصحي المرير بدأت علناً في 31 ديسمبر من العام المنصرم عندما أعلنت السلطات الصحية في مدينة ووهان عن وجود عدة حالات مرضية رئوية غريبة وغامضة لا يعرفها الأطباء وتشبه في أعراضها الطامة الصحية الكبرى التي عانى منها المجتمع الصيني خاصة والمجتمع الدولي عامة في الفترة من 2003 إلى 2004 وأطلق عليها بمرض سَارسْ، أو المرض الشديد الذي أصاب الجهاز التنفسي(Severe Acute Respiratory Syndrome)، وكان المتهم في وقوع هذه الطامة عائلة من الفيروسات تسمي فيروس كورونا(corona). وبعد انتقل المرض إلى مرحلة خطيرة أرعبت الناس عندما تم الإعلان في 12 يناير من العام الجاري عن أول حالة وفاة، ثم تحول المرض من حالة صحية صينية إلى مرضٍ دولي يهدد العالم أجمع، حيث تم الإعلان عن أول حالة مؤكدة للمرض في 13 يناير في تايلند، ثم في اليابان، وهونج كونج، والمكسيك، وتايوان، والهند، والفلبين، وأستراليا، وكوريا الجنوبية، وأخيراً في 21 يناير انتقل المرض إلى ولاية واشنطن الأمريكية.

وبعد البحث المعمق والفحوصات الدقيقة تبين أن هذا المرض وُلد في سوقٍ مركزي لبيع الأسماك ومختلف أنواع الحيوانات والطيور، وأن المولود العقيم هو أحد أفراد عائلة فيروس كورونا الذي لم يتعرف عليه المجتمع الطبي من قبل، وأَطلقُوا عليه إسم(2019-nCoV وتم تصنيف الفيروس من النوع بي(B) للأمراض المعدية مثل سارس . كما أكدت الأبحاث المخبرية أن هذا الفيروس الجديد الغامض ينتقل بين الحيوانات، ومن الحيوانات إلى الإنسان، كما ينتقل بين بني البشر. أما عن الحيوان الذي يحمل هذا الفيروس وينقله إلى البشر فغير معروف بدقة حتى الآن، إلا أن بحثاً أولياً نُشر في مجلة طب علم الفيروسات(Medical Virology) في 22 يناير قام بحصر الدراسات السابقة حول هذه العائلة من الفيروسات، وأشار إلى أن مصدر هذا النوع الجديد قد يكون من الأفاعي التي تباع في الأسواق.

فمدينة ووهان التي تعرضت لهذه الضربة المؤلمة من هذا الفيروس الغريب تحولت إلى محجرٍ صحي عظيم،  وأعلنت السلطات في 23 يناير عن إغلاق المدينة كلياً وتوقف الحركة فيها وإصابتها بالشلل التام، وبالتحديد منع السفر إلى خارج المدينة، حيث تحولت المدينة الآن إلى مدينة أشباح، فكافة وسائل النقل الجماعي توقفت، من طائرات، وقطارات، وحافلات، وبواخر، كما أن المجمعات والمتنزهات والمطاعم أصبحت خاوية على عروشها لا ترى فيها أحداً، ودعت السلطات الصحية السكان إلى توخي الحذر الشديد، وارتداء الكمامات والأقنعة الواقية للفم والأنف وعدم الاختلاط مع من يشتبه في حالتهم الصحية.

والآن السؤال الأهم هو: هل نحن بمنأى عن مثل هذه الفيروسات؟ وهل نحن ببعيدين عن مثل هذه الكوارث الصحية؟
فإذا رجعنا بذاكرتنا إلى الوراء قليلاً وبالتحديد في عام 2012 عندما تم اكتشاف الأخ الأكبر لفيروس سارس والفيروس الجديد والغامض الذي ظهر لنا هذا الأيام، فقد ظهر هذا الفيروس في منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة دول الخليج العربي وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة والأردن وتونس، فنسبة كبيرة من الذين سقطوا وقضوا نحبهم كانوا من المملكة العربية السعودية منذ أن تم اكتشاف الفيروس في أبريل عام 2012، حيث وصل عدد الموتى إلى 157. وهذا الفيروس القاتل أو المرض الذي يصيب الإنسان أُطلقَ عليه مِيرس(MERS)، أو ظاهرة الشرق الأوسط التنفسية(Middle East respiratory syndrome).

وقد أكدت الدراسات التي أُجريت في تلك الفترة على أن هذا الفيروس مُنتشر بين الجمال على نطاق واسع جداً ولأكثر من عشرين عاماً، وأن الكثير من صغار الجمال مصابين بهذا الفيروس في جهازهم التنفسي، حيث اكتُشف بكثافة في إفرازات الأنف في الجمال الصغيرة وبنسبة 74% من مجموع الجمال، وأكدت التحاليل المخبرية على أن هذا الفيروس نفسه هو الموجود في أجسام المرضى المصابين. كما أشارت دراسات أخرى على أن الخفاش في المملكة العربية السعودية كان أيضاً مصدراً لهذا الفيروس. فهذه الحالة المرضية العصيبة التي أُصبنا بها من قبل تثبت على أننا قد نتعرض لها مرة ثانية، سواء من فيروس ميرس، أو سارس، أو من الفيروس الغامض الجديد الذي نزل على الصين، أو من الفيروسات الأخرى القادمة التي تتحول وتتلون كل يوم لتقتل البشر.

ومن أجل الوقاية من شر هذا الفيروس والفيروسات الأخرى القاتلة علينا أولاً أن نبتعد عن مصادر الفيروسات كالجمال والخفاش والحيوانات الأخرى، وثانياً اتخاذ إجراءات وقائية عامة مثل النظافة الشخصية وغسل اليدين بين الحين والآخر، وتجنب الاختلاط بمرضي الجهاز التنفسي، وتغطية الفم والأنف عند السعال أن العطاس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق