الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

انتهى ربيع البيئة


 إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام، وهي الدولة التي تقود العالم سياسياً واقتصادياً، مازالت تناقش في البدهيات البيئية، وتَعْتَرض على القضايا التي أجمع عليها المجتمع الدولي منذ عقود، فماذا سيكون المصير المنتظر للبيئة وهمومها؟

فربيع البيئة في تقديري أوشك على الانتهاء، والقضايا البيئية حُذفت برمتها خارج نطاق أجندة وأولويات الكثير من رجال السياسة في أمريكا، وعلى رأسهم باراك أوباما. وكما يعلم الجميع فإن كل ما يَحدث في أمريكا ينعكس على المجتمع الدولي، ونسمع صداه يرن مباشرة في مسيرة المفاوضات البيئية الدولية.

وهناك العديد من الوقائع على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية وعلى مستوى منظمات الأمم المتحدة والتي تؤكد لي أن ربيع البيئة قد انتهى في الوقت الحاضر، وهذه الوقائع أُلخصها في النقاط التالية:

أولاً:معظم المرشحين الأمريكيين لنيل ثقة الحزب الجمهوري للفوز برآسة أمريكا يسعون في حملاتهم الانتخابية إلى الهجوم على القضايا البيئية من خلال اتهامِ وكالة حماية البيئة بأنها الجهاز الذي “يقتل الوظائف في أمريكا” ويقيد ويشل حركة الشركات الصناعية، بل وإن بعضهم ذهب بعيداً ودعا إلى إلغاء وكالة حماية البيئة. ومن جانب آخر فإن هؤلاء المرشحين يُشككون في واقعية ظاهرة التغير المناخي، ويعتقدون بأنها غير موجودة ولا علاقة لها بأنشطة الإنسان، ولذلك يعارضون بشدة أية تشريعات في هذا المجال، مما يعني توقف المفاوضات الدولية في قضية التغير المناخي. وعلاوة على كل ما سبق، فقد سن مجلس النواب الأمريكي في 24 سبتمبر تشريعاً يُعيق فيه إصدار أية أنظمة بيئية جديدة خلال السنوات القادمة.

ثانياً: المواقف التي صدرت عن الرئيس أوباما تؤكد رضوخه أمام ضغوط الجمهوريين من خلال إلغاء بعض التشريعات البيئية، وتغليبه للجانب الاقتصادي على الجانب البيئي عند اتخاذ القرار، كما تشير هذه المواقف إلى أنه غير مستعدٍ بأن يضحي بوظيفته وإعادة انتخابه في عام 2012 من أجل البيئة وهمومها. فعلى سبيل المثال، أعلن أوباما سحب مسودة القرار الخاص بمعايير جودة الهواء، والمَعْنية بتركيز غاز الأوزون في الهواء الجوي.

ثالثاً: شكك مندوب أمريكا الخاص بالتغير المناخي تود ستيرن(Todd Stern) في إمكانية نجاح المفاوضات التي ستجرى في مدينة ديربن(Durban) في دولة جنوب أفريقيا في ديسمبر من العام الجاري، وأكد في 19 سبتمبر بأنه “غير متفاءل” من حدوثِ أي تقدمٍ ايجابي لمكافحة قضية التغير المناخي. وفي المقابل أكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأن “التنمية المستدامة” هي القضية الرئيسة التي تواجه كوكبنا وهي من أولويات الأمم المتحدة، مما يشير إلى إسدال الستار عن قضية التغير المناخي وانتهاء ربيعها.

رابعاً: دَقَّ صندوق النقد الدولي(International Monetary Fund) ناقوس الخطر في تقريره حول الاستقرار المالي، حيث أفاد أن البنوك الأوروبية تواجه خسارة تقدر بنحو 400 بليون دولار بسبب أزمة ديون دول الاتحاد الأوروبي. كما حذر رئيس الصندوق في 24 سبتمبر من البطء الشديد في النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي والخوف من الوقوع في نفق ظلمات الكساد اقتصادي الذي لا يمكن الخروج منه. ولا شك بأن هذه النظرة الواقعية للحالة الاقتصادية الدولية تُلزم دول العالم إلى التركيز كلياً على إيجاد مخرجٍ سريعٍ من هذا العبء الثقيل، مما يعني تركيز جُل الاهتمام على الجانب الاقتصادي، وتجاهل الجانب البيئي وانتهاء ربيع البيئة حتى يستقر ويستتب الأمن الاقتصادي.

ومن هذه المعطيات فإنني أُجزم بأن ربيع البيئة قد انتهى مرحلياً، وقد يحظى بالاهتمام مرة ثانية، ولكن بعد نوفمبر 2012، أي بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية في أمريكا، وبعد أن يسود الاستقرار المالي وينتعش الاقتصاد في أمريكا ودول العالم.

ولذلك علينا أن نَحفظَ قضايا البيئة في أدراجٍ مقفلة حتى يحين وقتها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق