الأحد، 23 أكتوبر 2011

مُخلفاتٌ من السماء


ألا تَكفينا ملايين الأطنان من المخلفات التي نشاهدها أمامنا يومياً من المصانع والمنازل، وتسبب لنا مخاطر شديدة على صحتنا بيئتنا، حتى تَمطُر علينا أيضاً مخلفات من السماء، لا ندري متى تنـزل، وأين تسقط، وما هي أحجامها وخطورتها على سلامة الإنسان؟

لقد عاثت الدول الصناعية فساداً في الأرض منذ أكثر من مئتي عامٍ، وارتكبت أيديهم آثاماً كبيرة، وقامت بمعاصي تُعد من الكبائر على حرمات بيئتنا وأمننا الصحي، فعَرَّضت بيئتنا لنكبات حادة شاهدناها كمظاهر غريبة انكشفت في البحار والأنهار والهواء الجوي. فالبحيرات تحولت إلى مقابر جماعية بسبب ظاهرة المطر الحمضي فأصبحت مياهها أجاجاً حامضاً لا يعيش فيها كائن حي، والأنهار والبحار تحولت ألوانها إلى لون الدم الفاقع أو الأخضر الغامق، وتكونت في الأفق السحب السوداء والصفراء الداكنة التي عكَّرت صفو هذه السماء الجميلة.

والمشكلة أن عَبَثْ الدول الغربية بالبيئة لم تنعكس خطورتها على بيئتهم وصحتهم فحسب، وإنما غطت الكرة الأرضية برمتها، حتى إنه لم يبق شبر في الأرض إلا وتأثر من الأنشطة الصناعية وغير الصناعية التي قامت بها هذه الدول، ونحن لا ذنب لنا في ذلك، ولم نتسبب في وقوعها.

فظاهرة التغير المناخي سببها ملايين الأطنان من الملوثات التي تنبعث منذ قرنين من الأنشطة الصناعية للدول الغربية، وظاهرة انخفاض غاز الأوزون في طبقة الأوزون التي تحمي البشر جميعهم سببها أيضاً استخدام هذه الدول لمواد كيميائية بشكلٍ عشوائي وعلى نطاق واسع.

واليوم تَسقطُ علينا من السماء أمطار غزيرة من المخلفات الصلبة، ولا يستطيع أحد أن يتكهن بموعد سقوطها، وهذه المخلفات التي قد تنـزل على أية بقعة من الأرض لا دور لنا نحن في الدول النامية في تكوينها. فهذه أيضاً من المشكلات البيئية والأمنية التي تصنعها الدول الصناعية، ونذهب نحن سكان الأرض بدون استثناء، وبخاصة في الدول النامية، ضحية لها، بل وستُحملُنا هذه الدول مستقبلاً التكاليف الناجمة عنها، وتجبرنا على المساهمة في حلها، كما تفعل حالياً في قضية التغير المناخي لكوكبنا.

فقبل أيام سَلَّطت وسائل الإعلام الضوء على القمر الصناعي الأمريكي الذي تحطم في الغلاف الجوي، فتناثرت أشلاؤه، وتفتت إلى قطعٍ صغيرة لم يعلم أحد في ذلك الوقت مصيرها ومكان نزولها بالدقة، حتى أن نَاسا، أعلنت بأنها لا تستطيع أن تعرف مكان اصطدامها بالأرض. فهذا القمر الصناعي يزن ستة أطنان ويعمل على مراقبة التغيرات المناخية وقياس تركيز الأوزون، انتهت مهماته في عام 2005، فتحول إلى مخلفات فضائية نزلت علينا بعد ستة سنوات، وغطت هذه المخلفات مساحة طولها أكثر من 800 كيلومترٍ من البحر واليابسة.     

فهذه الحادثة أحيت ذاكرتنا أمام حوادث أخرى وقعت منذ غزو الإنسان للفضاء ونُفُوذِه في أقطار السماوات العليا. ومن أَشْهرها سقوط مخلفات القمر الصناعي الروسي (Kosmos 954) في يناير 1978 في شمال كندا وهو يحمل مفاعلاً نووياً، ثم تَفَكُك المختبر الفضائي الأمريكي(Skylab) في مايو 1979 وإنزاله أمطاراً من المخلفات الصلبة في مدن غرب استراليا. وفي يناير 1997، تعرضت امرأة في ولاية أوكلاهوما الأمريكية لمخلفات الفضاء، وهي قطعة من الصاروخ الأمريكي دلتا-2، وقطعة أخرى من الصاروخ نفسه ضربت امرأة أخرى في تركيا. كما احترقت المحطة الفضائية الروسية مير(Mir) في مارس 2001، وأمطرت مخلفاتها على دولة فيجي في المحيط الهادئ.

وعلاوة على المخلفات التي قد نزلت على الأرض، فهناك أكثر من 50 ألف قطعة من المخلفات تدور حول الأرض، وسيكون مصيرها كمصير الأقمار والمختبرات الفضائية التي سقطت على الأرض، ولكن لا يستطيع أحد أن يُقدر وقت سقوطها، وقد تنزل يوماً ما علينا وعلى دولنا.

ولذلك فإن على دول العالم النامي تقديم طلبٍ رسمي إلى منظمات الأمم المتحدة المعنية، وبالتحديد مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي لمعرفة حجم هذه المخلفات الفضائية ومصيرها المنتظر، وتَـحْميل الدول المسؤولة عنها، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا كافة التبعات والتكاليف التي تنشأ عن التخلص الآمن منها. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق