الجمعة، 14 أكتوبر 2011

الـسُـوشـي


قبل أشهر وبالتحديد في 29 أبريل 2011 كتبت مقالاً في صحيفة أخبار الخليج تحت عنوان: “هل نأكل السوشي؟”، وحذرتُ فيه إلى ضرورة توخي الحذر من أكل السوشي(sushi)، وبخاصة عندما تكون مكوناتها من السمك، والرز، والأعشاب البحرية مستوردة من اليابان، وبالتحديد من المناطق المنكوبة التي تسممت مباشرة بالأشعة القاتلة التي انبعثت عن انفجار مفاعل داي شاي لتوليد الكهرباء في فوكوشيما في 11 مارس 2011.


واليوم يأتي التحذير نفسه، ولكن من مقالٍ نُشر في محطة الـ سي إن إن(CNN) الإخبارية في موقعها الالكتروني في 8 سبتمبر حول مخاطر أكل السوشي حالياً. وتتناول فيه كاتبة المقال أزمة مُصدري وبائعي وجبة السوشي وغيرها من الأكلات اليابانية المعروفة في المطاعم في اليابان وخارج اليابان، كوجبة السوبا(soba) أو المعكرونة التي تُقدم مع السمك أو اللحم.

فتؤكد كاتبة التقرير على أن الصيادين اليابانيين في بعض المدن البحرية، مثل مدينة هوكايدو(Hokkaido) والذين يقومون بتصدير أسماكهم إلى المطاعم في داخل وخارج اليابان قد تضرروا كثيراً من هذه الكارثة الكبرى، وأن أعمالهم التجارية قد تأثرت بنسبة 50%، بالرغم من أن هذه المدينة تبعد قرابة 840 كيلومتراً من مصدر انبعاث الملوثات المشعة، حتى أن بعضهم ترك هذا العمل بسبب عزوف الناس عن تناول الأحياء البحرية. فالناس أصابتهم ردة فعل نفسية قوية من كل ما هو ياباني، فعزفوا عن أكل المنتجات اليابانية الغذائية، وأضربوا عن أكل الوجبات اليابانية، وعلى رأسها السوشي.

فهناك عدة مؤشرات أكدت لي أن المواد المشعة ستبقى في البيئة اليابانية أكثر من عشرين عاماً، وهذه المؤشرات أُلخصها في النقاط التالية:

أولاً: نَشرتْ مجلة علوم وتقانات البيئة(Environmental Science & Technology) في عددها في 15 سبتمبر بحثاً حول مسار إنتشار الملوثات المشعة التي انطلقت من المفاعل النووي إلى دول العالم الأخرى، وبالتحديد إلى قارة أمريكا الشمالية وقارة أوروبا. فقد أكدت الدراسة إلى أن الإشعاعات التي انطلقت إلى الهواء الجوي قد انتقلت عبر المحيط الهادئ إلى قارة أمريكا الشمالية أولاً، ثم وصلت إلى أوربا، حيث جاءت البشائر الأولى من الملوثات المشعة بعد أسبوع من الكارثة. وهذا يعني أن القارتين الأمريكية والأوروبية قد تلوثتا بشكلٍ مباشر بالإشعاع، وتعرض الناس له مباشرة، ونتيجة لذلك فقد دخلت هذه الملوثات إلى السلسلة الغذائية للإنسان، وستبقى هناك عقوداً طويلة من الزمن، لأن بعض الملوثات المشعة مثل السيزيم-137 نصف عمرها يبلغ 30 عاماً، أي أنها ستبقى مشعة أكثر من ثلاثين عاماً.

ثانياً: أكد تقرير نُشر في 15 سبتمبر من معهد أبحاث المناخ(Meteorological Research Institute) أن المواد المشعة كالأيودين- 131، والسيزيم-137، والتي تسربت إلى مياه البحر اليابانية وانتقلت مع التيارات البحرية إلى مناطق بعيدة، سترجع مرة ثانية إلى السواحل اليابانية التي انطلقت منها بعد 20 إلى 30 عاماً، أي بعد دورانها في اتجاه عقرب الساعة مع التيارات البحرية لشمال المحيط الهادئ. والبعض من هذه الملوثات المشعة، كما أشرنا سابقاً، سيبقى مشعاً عقوداً طويلة من الزمن، ولها القدرة على التراكم في أعضاء الحياة الفطرية البحرية النباتية والحيوانية وفي عضلات جسم الإنسان، أي أننا سنستمر في التعرض لهذه الإشعاعات المميتة، حتى بعد أكثر من عشرين عاماً من وقوع الكارثة النووية، وستظل هناك خطورة من كافة المنتجات اليابانية، سواء أكانت وجبات يابانية كالسوشي، أو أية منتجات أخرى نستوردها من اليابان.

فالحذر من المنتجات اليابانية واجب حتى بعد عشرين عاماً، وعلى اليابان الإثبات بأن منتجاتها خالية من أي تلوثٍ إشعاعي، حتى نأكل السوشي ونحن مطمئنين.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق