الاثنين، 10 أكتوبر 2011

انتفاضة الجِــيـاع


لا يعرف الولايات المتحدة الأمريكية جيداً من لم يعش فيها فترة من الزمن، فيتعمق في جذور نسيجها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فالذين انبهروا بأمريكا، وغرتهم قوتها وعظمتها هم الذين زاروها أياماً قليلة، أو شاهدوا أفلام هوليود الدعائية التي تُقدم عادة صورة لامعة وبراقة لأمريكا، وتصور قوتها وعظمتها من خلال أبطال هذه الأفلام وقدراتهم الخارقة.

ولكن الذي يعيش فيها عدة سنوات، ويسبر غورها بالدراسة والبحث والمشاهدات الميدانية سيعرف حقيقتها عن كثب، ويكتشف سلبياتها وايجابياتها، حلوها ومرها.

فالاحتجاجات التي تشهدها أمريكا هذه الأيام ولنحو شهر واحد حتى الآن، بدءاً من مدينة نيويورك في أقصى الشرق إلى مدينة لوس أنجلوس في أدنى الغرب، تبين الوجه الحقيقي لهذه القوة العظمى وما يدور فعلياً بداخلها، وما تعاني منها الغالبية العظمى المنسية من الشعب.

إنها حركة جماهيرية شعبية أَطلقت على نفسها “احتل وال ستريت”، وفي تقديري هي حركة عفوية في بداياتها، وأُطلق عليها شخصياً بـ“إنتفاضة الجياع”، فقد خرج هؤلاء الناس بعد أن غاب البعد الإنساني عن قرارات البيت الأبيض وسيطر البعد الاقتصادي المالي على كل قرارٍ يصدر من البيت الأبيض أو الكونجرس.

لقد خرج هؤلاء الناس بعد أحكمت الشركات الصناعية وغير الصناعية سيطرتها على السياسة الأمريكية وعلى رجال الحزبين الجمهوري والديمقراطيين، فأصبحت هذه الشركات هي التي تحكم أمريكاً فعلياً وهي التي بيدها القرار والذي يصب دائماً في مصلحتها.

لقد خرج هؤلاء الناس بعد أن تحول المجتمع إلى فئتين، الفئة الأولى صغيره في حجمها ولكن هي التي تمتلك الثروة والغناء الفاحش، والفئة الثانية وهي الغالبية الكبرى من الناس، تعيش في فقرٍ مدقع ووضع معيشي مخزي، فتفترش الأرض وتتلحف السماء.

لقد خرج هؤلاء الناس بعد أن فقدوا الأمل، وضاع المستقبل، ووصل الحال إلى ما لا يُطاق.        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق