السبت، 24 أغسطس 2019

جامعة لندنية تمنع الهمبرجر!


جامعة جولدسميث(Goldsmiths) الواقعة جنوب شرق العاصمة البريطانية لندن أَعلنتْ في 13 أغسطس من العام الجاري بأنها بدءاً من العام الدراسي الجديد في سبتمبر القادم ستمنع بيع الهمبرجر البقري وجميع المنتجات البقرية في كل أنحاء الحرم الجامعي، وذلك دعماً من إدارة الجامعة ومساهمة منها مع المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياتها لمكافحة ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، ووفاءً بالتزاماتها وتعهداتها لخفض مرافق الجامعة ومنتسبيها وطلابها من انبعاث الغازات المسؤولة عن وقوع هذه الظاهرة العالمية.

فما علاقة البقر ومنتجات البقر من لحم وحليب وغيرهما بالتغير المناخي؟

وهل إدارة الجامعة تحولت فجأة إلى مِلةْ "النباتيون"، أي الذين لا يأكلون إلا المنتجات النباتية من خضروات وفواكه؟

في الحقيقة أن العلماء والمختصين منذ أكثر من عقدين من الزمن وهم يُوجِّهون تركيزهم وعنايتهم نحو البقرة، فيتهمون هذه البقرة الذلول المسكينة بدورها المشهود في إحداث التغير المناخي، ويُلقون عليها اللوم في رفع درجة حرارة كوكبنا، ويحملونها المسؤولية عن هذه الحالة المناخية المعقدة التي تشهدها الكرة الأرضية، بحيث إن البقرة يُطلقون عليها ويصفونها بأنها "قنبلة مناخية"!

فمشكلة التغير المناخي الآن أصبحت قضية العصر الأكثر تعقيداً وتشابكاً وأشدها وطأة وتنكيلاً بالمجتمع البشري برمته والتي لم يجد المجتمع الدولي لها حلاً جماعياً مشتركاً بالرغم من دخولها في جدول أعمال مؤتمرات الأمم المتحدة البيئية في عام 1992، أي قبل أكثر من 27 عاماً، فمازال الإنسان يسير في نفقٍ مظلم لا يمكن مشاهدة النور في نهايته. فكلما توصل المجتمع الدولي إلى معاهدة دولية وحلٍ مشترك جماعي وجذري، جاءت الولايات المتحدة الأمريكية ففسخت التزامها تجاه تعهداتها السابقة وأعلنت انسحابها من هذه المعاهدة وضيَّعت جهود مضنية بُذلت لسنوات طويلة للتوصل إليها. فقد انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية في زمن جورج بوش الابن من بروتوكول كيوتو في اليابان في عام 1996 بعد أن وقَّع عليه الرئيس الأسبق بل كلينتون وتعهد أمام العالم بالمصادقة عليه وتنفيذ بنوده، ثم تكرر هذا المشهد مرة ثانية عندما انسحب ترمب كلياً من اتفاقية باريس للتغير المناخي في الأول من يونيو عام 2017 ونسفها من أولها إلى آخرها، وبذلك خالف الاجماع الدولي من جهة وتجاهل توقيع الرئيس الأمريكي السابق أوباما على الاتفاقية في عام 2015 وقيادته الشخصية لها من جهة أخرى. 

ويعزى فشل المجتمع الدولي في تحقيق أي نجاح في هذه القضية لعدة أسباب من أهمها أن التغير المناخي لم تعد قضية بيئية خالصة، وإنما هي في المقام الأول قضية متعلقة بشكلٍ مباشر باقتصاد الدولة وتنميتها وبالتحديد في مجال أمن الطاقة ومصادر الطاقة، من بترول وفحم وغاز طبيعي، فهذه المصادر الأحفورية للطاقة والتي تعتمد عليها اقتصاديات دول العالم أصبحت هي المعنية والمتهمة بارتفاع درجة حرارة الأرض، فحرق الجازولين والديزل في ملايين السيارات، وحرق الفحم والغاز الطبيعي في عشرات الآلاف من محطات توليد الكهرباء وتشغيل المصانع لأكثر من قرن، كلها تولد أحجاماً مهولة من الغازات الملوثة للغلاف الجوي والمسببة للتغير المناخي، وعلى رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز.

وعلاوة على دور قطاع الطاقة في وقوع هذه الأزمة المناخية الخانقة، فإن هناك قطاعات تنموية أخرى تتحمل المسؤولية أيضاً في إطلاق الملوثات المتهمة بالتغير المناخي وتداعياتها المتمثلة في ارتفاع درجة حرارة الأرض، ومنها القطاع الصناعي، وقطاع المواصلات، والقطاع الزراعي، ولكل قطاع مسؤوليته ومساهمته في وقوع هذه المشكلة المتشابكة والمعقدة.

فقد نُشر بحث علمي في الأول من يونيو 2018 في مجلة "العلوم" تحت عنوان: "خفض التأثيرات البيئية للمواد الغذائية من خلال المنتجين والمستهلكين"، حيث أفادت الدراسة بأن قطاع الزراعة، وبالتحديد قطاع الثروة الحيوانية والأبقار بصفةٍ خاصة يُعد من أكثر القطاعات إسهاماً في تلويث البيئة، ومن أشدها تأثيراً على مكونات وعناصر البيئة، وبالتحديد من ناحية حدوث ظاهرة التغير المناخي. فقد قدَّرت الدراسة إلى أن هناك أكثر من ستة بلايين طن من الغازات التي تسبب التغير المناخي، أو ما يُطلق عليها بغازات الدفيئة تنبعث من القطاع الزراعي سنوياً، أو ما يُشكل أكثر من 18% من إجمالي انبعاث هذه الغازات من القطاعات الأخرى على المستوى الدولي، مما يشير إلى أن القطاع الزراعي، وبخاصة الثروة الحيوانية المتمثلة في تربية الأبقار، يقع في المرتبة الثانية من هرم وقائمة القطاعات التي تُطلق الغازات المعنية بسخونة كوكبنا بعد قطاع الطاقة الذي يشمل توليد الكهرباء والمواصلات.
فهذه التقارير جعلت العلماء والباحثين يوجهون أبحاثهم أكثر نحو دور الأبقار ودرجة مساهمتها في رفع درجة حرارة الأرض، إضافة إلى كيفية الحد من قُدرة الأبقار على إحداث سخونة الأرض وسبل مواجهتها. ولذلك نسمع ونقرأ عن العديد من المبادرات على مستوى الدول، أو المنظمات والجمعيات والمؤسسات الأهلية والأفراد إلى الحد من استهلاك اللحوم بشكلٍ عام، وبخاصة لحوم الأبقار، وعدم تناولها كلياً، أو في الأقل تقنين تناولها أسبوعياً، كما قامت الجامعة اللندنية، أو بعض مدن الولايات المتحدة الأمريكية، مثل إعلان مجلس مدينة لوس أنجلوس عن تخصيص يوم الاثنين من كل أسبوع يوماً يمتنع فيه المواطنون عن أكل اللحم وأُطلق عليه(Meatless Monday)، فيتناولون بدلاً من ذلك الخضروات الطازجة.

فهل أنت مستعد إلى أن تستغني عن أكل اللحوم حفاظاً على صحة وسلامة وحرارة كوكبنا؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق