الجمعة، 2 سبتمبر 2011

وَدِّعوا قضية التغير المناخي



من خلال قراءاتي وتحليلاتي للوضع الاقتصادي والسياسي على المستوى الدولي عامة، وعلى مستوى الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، فإنني لا أرى أي بصيصٍ للنور يضيء طريق النفق المظلم الذي تمر به مفاوضات دول العالم حول التغير المناخي منذ قمة ري ودي جانيرو في البرازيل عام 1992، ومروراً بمؤتمر كيوتو لعام 1997 حتى اجتماع كنكون في المكسيك عام 2010.

ففي تقديري الوضع الاقتصادي للدول هو سبب نقطة التحول والتغيير في سياسات الدول ومنظمات الأمم المتحدة حول التغير المناخي، حيث بدأ التحول الجذري في سياسات التغير المناخي قبيل عام 2008 عندما تدهور الاقتصاد العالمي، ودخلت دول العالم في حالة مزمنة من الكساد الاقتصادي والذي مازالت تعاني منه بشكلٍ مشهود، وهذا التدهور الاقتصادي المُدقع انعكس مباشرة على البيئة وأدى إلى الكساد والركود البيئي الدولي، فقام بتنحية البيئة وهمومها وقضاياها، وعلى رأسها قضية التغير المناخي إلى مؤخرة الاهتمام الشعبي والدولي، وجعله في ذيل القضايا ذات الأولوية.

فقبل دخول العالم في غيابة القحط الاقتصادي المظلم، أي قبل عام 2008، كانت معظم دول العالم متحمسة للعمل معاً في مواجهة تهديدات التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، ومساعدة الدول النامية مالياً وتقنياً على مكافحة تداعيات المظاهر التي نجمت عن التغير المناخي، وتم تتويج هذا الاهتمام ببروتوكول كيوتو الذي يعتبر الاتفاقية الدولية الوحيدة التي تلزم الدول الصناعية الغنية إلى وضع حدودٍ لانبعاثاتها من الغازات المسئولة عن رفع درجة حرارة الأرض.

ولكن هذا الانجاز الدولي البيئي الفريد لم يَدُم طويلاً فسقط عندما هزَّ العالم شبح الأزمة الاقتصادية الخانقة، فتراجعت معظم الدول، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي عن مواقفهم السابقة الداعمة لاتفاقية ملزمة للتغير المناخي، ومنذ ذلك الوقت وهموم التغير المناخي تسير إلى الوراء، وتم تهميشها ووضعها في مؤخرة قائمة القضايا الحيوية والرئيسة.

فالاقتصاد اليوم أصبح هو المحرك والدافع وراء أية قضية، أو أية عملية انتخابية في الدول، وفي المقابل تحولت البيئة بشكلٍ عام وقضية التغير المناخي إلى نذير شؤمٍ وفَشَلْ لكل من يريد أن يفوز في الانتخابات في بلاده، فعل المرشح أولاً أن يهاجم القوانين والأنظمة البيئية وعلى رأسها أي قانون في مجال التغير المناخي لكي تكون له فرصة للفوز، كما هو الحال اليوم في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية.

فقد اعترف الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 21 أغسطس في مقابلة مع المحطة الإخبارية سي بي إس بأن المحور الرئيس في الانتخابات الرئاسية هو الجانب الاقتصادي، وأن أمريكا تعاني من خطر الركود الاقتصادي، وأن الاقتصاد لا ينمو بالسرعة الكافية.

وفي الطرف الآخر بدأ المرشحون الراغبون في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة حملتهم الانتخابية بالهجوم على وكالة حماية البيئة وعلى الأنظمة البيئية التي يعتبرونها مقيدة للنمو الاقتصادي وتؤدي إلى البطالة، إضافة إلى عدم الاعتراف بدور الإنسان في إحداث التغير المناخي ورفع درجة حرارة الأرض. فالمرشح الجمهوري للرآسة ريك بيري(Rick Perry) الحاكم الحالي لولاية تكساس، قال في 17 أغسطس بأن التغير المناخي ما هو إلا :“عبث زائف”، واتهم العلماء بأنهم تلاعبوا بالأرقام ليدعموا نظريتهم غير المثبتة علمياً حول دور الإنسان في التغير المناخي، كما أضاف بأن أنظمة وكالة حماية البيئة الأمريكية تقتل الوظائف في جميع أنحاء أمريكا. كذلك صـرحـت المـرشحة الجمهورية ميشيل باكمان(Michele Bachmann) من ولاية ميناسوتا(Minnesota) في أحدى خطبها واصفة جهاز البيئة بأنه منظمة أمريكية تقتل الوظائف. فهذه التصريحات ضد البيئة وقضية التغير المناخي تكسب ود وأصوات الكثير من الناس العاطلين عن العمل والفقراء الذين سقطوا ضحية الركود الاقتصادي، كما يسيل لها لعاب الشركات البترولية وشركات الفحم ومحطات توليد الكهرباء ذي السلطة والنفوذ الكبيرين في الكونجرس والصوت العالي المُحدد لانتخاب الرئيس الأمريكي القادم.

ولذلك فإن استمرار التدهور الاقتصادي يؤدي إلى استمرار التدهور البيئي ولن يسمح بأي انفراجٍ ملموس لحل قضية التغير المناخي على المستوى الدولي، ولذلك على البيئة وشؤونها الانتظار حتى يستقيم الوضع الاقتصادي ويتعافى الاقتصاد الدولي من مرضه العضال ويسترد قوته وعافيته، وهذا لن يكون قريباً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق