الجمعة، 16 سبتمبر 2011

مُـدنْ الأشباح

كما أن المدن الواقعة حول محطة تشرنوبيل في أوكرانيا تحولت إلى مدنٍ للأشباح، لا تسكنها إلا الخفافيش والبوم والحيوانات المفترسة، ويُحرم دخول الإنسان فيها منذ أكثر من 25 عاماً بعد وقوع أخطر كارثة نووية في تاريخ البشرية في 26 أبريل 1986، فاليوم نشهد مدناً أخرى تُضاف إلى قائمة المدن التي ستقطنها الأشباح، ولكن هذه المرة ليست في أوكرانيا وإنما في اليابان بسبب انفجار المفاعلات النووية في 11 مارس 2011 في مقاطعة فوكاشيما.

فقد أعلنت السلطات اليابانية بأن المنطقة حول محطة فوكاشيما، ستكون غير مأهولة بالسكان، وربما لعقودٍ طويلة من الزمن، أي أن المواطنين الذي هَجَروا منازلهم بعد كارثة الإشعاع النووي قبل ستة أشهر، والذين يبلغ عددهم زهاء 80 ألف، سيُحرمون من الرجوع إلى مسقط رأسهم لعقود قادمة، وقد تكون للأبد، ولذلك ستتحول هذه المدن المحيطة بها تدريجياً إلى مدنٍ للأشباح تسكن فيها الخفافيش والبوم، وستزدهر فيها الأنواع الأخرى من الحياة الفطرية.

ولا شك بأن هذا القرار التاريخي الصعب على المسئولين والمواطنين إلى حدٍ سواء، لم يُتخذ إلا لأسبابٍ قاهرةٍ وطارئة، تهدف إلى حماية الصحة العامة من جهة، والعمل على إعادة تأهيل وتنظيف هذه المدن من الملوثات المشعة التي تعمقت في جذور بيئاتها، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من السلسلة الغذائية للإنسان.

فمنذ احتراق المفاعلات النووية وحتى يومنا هذا والملوثات المشعة مازالت تنبعث إلى الهواء الجوي فتُسمم الحجر والبشر والشجر، ومازالت المخلفات المشعة السائلة وشبه الصلبة تنتقل بشكلٍ مباشر أو غير مباشر إلى مياه البحر والمياه الجوفية والتربة السطحية.

ولبيان حجم هذه الملوثات المشعة التي دخلت أوساط البيئة، فقد أكدت الوكالة اليابانية للأمن الصناعي والنووي في 24 أغسطس بأن كمية السيزيم المشع التي انبعثت من كارثة احتراق المفاعلات النووية تزيد عن القنبلة الذرية الأمريكية التي ألقيت على هيروشيما في 6 أغسطس 1945 بنحو 168 مرة، مما يؤكد حجم الضرر الذي نتج وسينتج مستقبلاً، ولسنواتٍ طويلة، عن هذه الإشعاعات على الإنسان وبيئته.

وهناك الكثير من الحوادث التي أكدت دخول الملوثات المشعة في السلسلة الغذائية ووصولها إلى جسم الإنسان. فهناك على سبيل المثال حادثة لحوم الأبقار المشعة التي نُقلت من مقاطعة فوكاشيما، ووزعت على المدن الأخرى، وبعد أن تم أكلها واستهلاكها من الناس، اكتشفت نسب عالية من الإشعاع فيها. كما اكتشفت نسب عالية من الإشعاع في لحم الخنزير في مدينة كاكيدو(Kakuda). وعلاوة على ذلك، فقد تلوثت مزارع الرز في قرية ليتات(Iitate)، كما اكتشف رز ملوث بالإشعاع في مدينة (Hokota) بمقاطعة (Ibaraki prefecture)، وهذه الاكتشافات أدت إلى إغلاق هذه الحقول الزراعية ومنع زراعة الرز فيها حتى إشعارٍ آخر!

ومن مزارع الرز إلى مزارع الشاي، وبالتحديد الشاي الأخضر، حيث بلغت نسبة الإشعاع في شحنة من الشاي أخضر من مقاطعة شيزوكي(Shizuoka Prefecture) وبالـتحـديد من مـزارع إيـرك للشاي(Irk Tea Farms) 1038 بيكرل من السيزيم في الكيلوجرام من الشاي.

ولذلك نجد من هذه الحوادث الميدانية أن الكثير من مناطق اليابان ستتحول إلى مناطق الأشباح يُحظر دخول بني البشر فيها، سواء أكانت هذه المناطق مدناً مأهولة بالسكان سابقاً، أو كانت مزارع للشاي والرز، أو حقولاً لتربية الأبقار والمواشي والدواجن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق