الاثنين، 12 سبتمبر 2011

المِقـلاة المـصـنوعة من “التِـيـفَال” والسرطـان

عندما كنت طالباً في مدينة أوستن عاصمة ولاية تكساس الأمريكية في عام 1976، ذهبتُ ولأول مرة في حياتي إلى مُجمعٍ كبير يُطلق عليه بمجمع هاي لاند مول(Highland Mall)، وبعد دخولي إلى المجمع وبالتحديد في أحد المحلات الكبيرة، وجدتُ أمامي حشداً من الأمريكيين المُجتمعين أمام هذا المحل، فاقتربت منهم قليلاً لأرى وأعرف سبب تجمهرهم، فوجدتهم يشاهدون عرضاً حياً لأحد الباعة وهو يَعرض نوعاً جديداً من أدوات الطبخ، وبالتحديد مقلاة يطبخ فيها البيض، ولكن بدون وضع الزيت في المقلاة، وبدون أن يلتصق البيض بالمقلاة بعد الانتهاء من طبخه.

كانت هذه العملية التي شاهدتها أمامي بمثابة الساحر الذي يقوم بالخدع السحرية أمام الجماهير المحتشدة أمامه، ولكن في هذه الحالة لم تكن خدعة، ولم يكن سحراً غامضاً، وإنما كانت حقيقة واقعة.

هذه المقلاة وأدوات الطهي الأخرى قد صُنعت من مادة جديدة لم يعرفها الإنسان من قبل، ولهذه المادة خاصية عجيبة، تَتمثل في عدم التصاقها بالمواد الأخرى، ولذلك استخدمت في أدوات الطبخ من أجل تسهيل عملية الطبخ من جهة، وتسهيل التنظيف بعد الانتهاء من الطبخ من جهةٍ أخرى. هذه المادة السحرية تعرف تجارياً بـ التفلون(Teflon)، ولكننا نلفظها في البحرين ونقول الـ تيفال. هذه المادة تدخل في مكوناتها عدة عناصر من أهمها الكربون، والفلور، والهيدرجين، وهي من المركبات الكبيرة الحجم، وتدخل ضمن قائمة المركبات المتبلمرة(Polymers).

وما ذكَّرني بالتفلون اليوم هو التقرير الذي نشرته جميع الصحف الأمريكية الوطنية المرموقة مثل الواشنطن بوست، والنيويورك تايمس، ويوإس أي توداي(USA TODAY)، عن قـرار وكـالـة حـماية البيئة الأمريكية(Environmental Protection Agency) المتعلق بمنع إنتاج هذه المادة والمواد الأخرى غير اللاصقة، وذلك بسبب احتمال أن تكون هذه المواد مسرطنة، أي تصيب الإنسان بمرض السرطان!

كما طَالبت وكالة حماية البيئة الأمريكية من الشركات الثماني المنتجة لهذه المواد من خفض إنتاجها وتصنيعها بنسبة 95% عند عام 2010، والتوقف كلياً عن الإنتاج والاستعمال عند عام 2015.

 وهناك عدة مؤشرات انكشفت مؤخراً جعلت وكالة حماية البيئة الأمريكية تتخذ قراراً بشأن التوقف التدريجي عن إنتاج واستعمال مادة التفلون. ومن هذه المؤشرات اكتشاف إحدى المواد التي يُصنع منها التفلون، وهو مركب كيميائي اسمه حمض الأكتوناويك متعدد الفلور(perfluorooctanoic acid, PFOA)، في دم أكثر من 95% من الأمريكيين، وفي الحبل السري للجنين الذي يخرج من بطن أمه في الكثير من أطفال العالم. كذلك تم قياس هذا المركب في الحياة الفطرية في المناطق النائية البعيدة جداً عن الأنشطة البشرية، مثل القطبين الشمالي والجنوبي.

وهذا يعني ولوج هذا الملوث في أعماق بيئتنا، وتغلغله في أجسامنا، وبالتالي لا بد من توقيف انتشاره وشل حركته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق