السبت، 6 أغسطس 2011

البـيـئـة قـضـيــة صـحـيـة

لو كانتْ البيئة وهمومها قضية بيئية بحتة لما نذرتُ نفسي ووقتي دفاعاً عنها، وذوداً عن حرماتها، وهجوماً على كل من يتعدى عليها منذ أكثر من ثلاثين عاماً.

فالبيئة وحماية مواردها وثرواتها الفطرية الحية وغير الحية قضية صحية من الدرجة الأولى، فكل ما يدخل في الهواء أو الماء أو التربة ينعكس علينا سلباً بعد فترة قصيرة من الزمن وبشكلٍ مباشر أو غير مباشر، فيؤثر على أمننا الصحي ويصيبنا بالأمراض والأسقام المزمنة التي لم نسمع عنها في آبائنا الأولين.

فعندما يحترق الوقود في السيارات، تنبعث منه آلاف المواد الكيميائية الخطرة، منها مواد معروفة الآن بأنها تؤدي إلى الإصابة بالسرطان. فعلى سبيل المثال، مركب البنزين ينطلق عندما نستخدم سياراتنا في كل يوم، فينتقل إلى الهواء الجوي ثم إلى الإنسان، ومع مرور الوقت ومع التعرض المستمر لعدة سنوات لهذا المركب المسرطن، يصاب الإنسان باللوكيميا أو سرطان الدم.

وعندما يحترق الوقود في السيارات، ينبعث منها الدخان، أو ما يُطلق عليه الآن بالجسيمات الدقيقة، وهذه عادة ما تكون متناهية في الصغر بحيث أنها تدخل في أعماق الرئتين وبالتحديد في الشعيبات والحويصلات الهوائية، فتمكث هناك حيناً من الدهر، حتى يأتي اليوم الذي تُسقط فيها الإنسان مريضاً مصاباً بسرطان الرئة، أو تهوي به إلى الأرض صريعاً ميتاً.

وعندما يحترق الوقود في السيارات، تنبعث منها مجموعة أخرى من الملوثات المسرطنة، تُعرف بالمركبات الهيدروكربونية العطرية المتعددة الحلقات(polycyclic aromatic hydrocarbons)، وعلى رأسها مركب البنزوبيرين(benzo-a-pyrene) الذي يتراكم في أعضاء جسم الإنسان فيهوي به مع الوقت في ظلمات الإصابة بالسرطان والمعاناة جسدياً ونفسياً من هذا المرض الخبيث.

وعندما يحترق الوقود في السيارات، ينبعث منها القاتل الصامت وهو غاز أول أكسيد الكربون الذي يتحد مع الهموجلوبين في الدم فيُكون مركباً ساماً هو الأكسي هيموجلوبين، ويؤدي إلى الإصابة بضيق التنفس ومشكلات أخرى في القلب والجهاز التنفسي، وهذا الغاز أصبح منذ زمنٍ وسيلة للانتحار، وذلك عندما يتعرض له الإنسان أثناء استنشاقه لعوادم السيارات لمدة دقائق معدودات فقط.

وعندما يحترق الوقود في السيارات، تنبعث منها مجموعة خطرة أخرى من الملوثات التي تُهدد صحة الإنسان بالتدمير التدريجي البطيء، مثل أكاسيد النيتروجين والملوثات العضوية المتطايرة(volatile organic compounds) التي تتحد مع بعض وبوجود أشعة الشمس فتتحول إلى مجموعة جديدة من الملوثات شديدة الخطورة على الإنسان، وتُكون في السماء سحباً صفراء بنية اللون تتكون من خليطٍ معقدٍ من السموم الفتاكة بصحة الإنسان، ولذلك عندما تظهر هذه السحب في الأفق، تُدق أجراس الإنذار في المدن، وكأن عملية إرهابية قد وقعت أو قنبلة مميتة قد سقطت، فتحذر الناس من الخروج من منازلهم، وتنصحهم بالبقاء في بيوتهم أو في مكاتبهم، حتى تنكشف هذه الغمامة القاتلة.

وعندما يحترق الوقود في السيارات، تنبعث منها ملوثات تسبب الطفرة في نمو الخلايا الوراثية، وتؤدي إلى مشكلات حادة للأم الحامل، فتسبب تشوهات خَلْقية للجنين في بطن أمه، فيولد الطفل معوقاً ومشوهاً جسدياً وعقلياً.

فكل هذا يقع عندما نشغل سياراتنا كل يوم، فماذا يحدث إذن عندما نشغل مئات المصانع في بلادنا، وملايين المصانع على مستوى الكرة الأرضية برمتها؟

وماذا يحدث عندما نحرق الوقود في عشرات الآلاف من محطات توليد الكهرباء والتي تنبعث عنها ملايين الأطنان من الملوثات المسرطنة المهلكة للحرث والنسل والمدمرة للأخضر واليابس، إضافة إلى ملايين الجالونات من المخلفات السائلة وملايين الأطنان من المخلفات الخطرة؟

وماذا يقع عندما نركب الطائرات فينبعث عنها أيضاَ خليط معقد من الملوثات السامة للإنسان والحياة الفطرية التي تستديم حياتنا بها؟

فهل بعد كل هذا نهمش القضية البيئية ونرميها في ذيل سلم الأولويات؟

ولذلك أقدم الدعوة لكل من يهتم بصحته ويعمل جاهداً ببذل الغالي والثمين للحفاظ على نفسه، أن يفعل كذلك لحماية بيئته ومكوناتها الحية وغير الحية، فبدون حماية بيئتنا لا نستطيع أن نحمي صحتنا ونقيها من الأسقام والعلل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق