الأحد، 7 أغسطس 2011

الـتَـشَـرُد

أرثي لحالة النخلة، وأبكي على ما وصلت إليها من ذلٍ وهوانٍ، وتشردٍ من مكانٍ إلى آخر في كل يوم، ومن شارعٍ إلى شارع آخر.

فقد كانت النخلة تعيش في بيئتها الفطرية التي وُلدت فيها، وترعرعت عليها بين البساتين والمزارع الجميلة والساكنة والآمنة، وحولها تحوم الطيور الغناء بكل أنواعها وأحجامها.

كانت تعيش هذه النخلة آمنةً مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كلِ مكان، وتُعطي ثمارها الزكية الطاهرة للناس في كل حينٍ للأكل والمسكن والأثاث والبناء، فعاش عليها الإنسان في خيرٍ ورفاهية وسلام.

والآن لا تجد النخلة من يحتضنها ويرعاها حق رعايتها كما فعل الآباء والأجداد من قبل، فهي يتيمة ومشردة وبائسة، فقد اجتثتْ زُوراً من جُذورها الثابتة والقوية التي تغرست طويلاً في أعماق الأرض لسنواتٍ طويلة من عمرها، وأُخذتْ بالقوة من أرضها وبيتها، وحَملتها الرافعات والشاحنات بعيدةً عن مسقط رأسها ومكان ولادتها، وفرَّقتها عن أهلها وأصحابها، فذهبت بها إلى أرضٍ جديدة وموقع غريب لا قريب ولا أنيس فيه.

وبالرغم من ذلك، فقد أَبْت هذه النخلة الأصيلة إلا أن تقاوم وتصبر على هذه الظروف الجديدة المفروضة عليها، فضربت جذورها في الأرض مرة ثانية، وأعطت أكلها وخيراتها للإنسان.

ولكن لم يدم هذا الوضع طويلاً، فسرعان ما جاءت الرافعات والشاحنات من جديد، فحملت هذا الجسم العليل إلى مكانٍ مجهول، وأرضٍ أخرى لم تتعود عليها.

ولا أدري هذه المرة هل تستطيع النخلة المصابرة والمرابطة أن تضرب بجذورها قوية في الأرض، أو إنها ستموت وتلقى حتفها وتصبح جثة هامدة، فتأتي الجرافات لسحبها ونقلها إلى مثواها الأخير؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق