السبت، 20 أغسطس 2011

ســجائــر صــديـقـة للبـيـئـة


قبل أيام كُنتُ أقرأ في إحدى المجلات الغربية، وإذا أرى أمامي إعلاناً غريباً في شكله ومعناه ومحتواه، فلم أصدق في البداية ما رأيته وقرأته، وترددت قليلاً في تصديقه، فهذا الإعلان الذي تم تحريره وتقديمه للقارئ على شكل خبرٍ ملون بشتى الألوان الزاهية واللافتة للنظر، يُقدم ويُعرض نوعاً من السجائر أُطلقَ عليه بـ “السجائر صديقة للبيئة” أو “السجائر الخضراء”!

فهذا الإعلان يُعد آخر صيحات ودعايات وخدع شركات التبغ المتعددة الجنسيات لتسويق السجائر باستخدام كافة الوسائل والأدوات الشرعية وغير الشرعية، وتبني كل الأفكار الشيطانية لجذب الناس مرة ثانية إلى التدخين. فهذه الشركات بسبب رغبتها الجامحة للتسويق وبيع السجائر وجذب انتباه فئات وشرائح جديدة من الزبائن، والذين قد يتأثرون بالوازع البيئي ويتعاطفون مع المنتجات البيئية والخضراء ويصدقون كل من يدعي بأن منتجاته صديقة للبيئة، فإنهم شرعوا في طرح فكرة السجائر البيئية، وفي بعض الأحيان “السجائر العضوية”، فيدَّعُون بأن أوراق التبغ الذي تُصنع منه السجائر قد تمت زراعتها في مزارع بيئية، أو ما يُطلق عليه الآن بالمزارع العضوية، أي لم يتم استخدم المبيدات الحشرية، أو الأسمدة الكيميائية في زراعتها، فهذه السجائر إذن، حسب إدعاء شركات التبغ، طبيعية وسليمة للإنسان، وخالية من المضافات الصناعية والمواد الكيميائية المضرة بصحته.

وعلاوة على ذلك، فإن الشركة المُنتجة لهذا النوع من التبغ والسجائر تفتخر بهذا المُنتج الجديد، وتعتز بأنها تُقدم مُنتجات صحية ومفيدة للبيئة والإنسان والحياة الفطرية، كما تفتخر بأن هذا المنتج يعد إضافة نوعية إلى جهودها الحثيثة والمستمرة لحماية البيئة ومواردها الحية وغير الحية ووقاية صحة الإنسان من الأمراض المزمنة!

ولذلك نرى أن الجميع يدَّعي بأن منتجاته صديقة للبيئة، فالمصانع تفتخر بأنها تُصنِّع وتُقدِّم للمجتمع مواد استهلاكية تحمي البيئة وتحافظ على ثرواتها ومواردها الطبيعية، والشركات تقول في إعلاناتها التسويقية بأن منتجاتها خضراء وبيئية، والبرادات الكبيرة تُخصص قسماً في محلاتها للمنتجات البيئية الخضراء والعضوية، والمزارع تزعم بأن نباتاتها وخضرواتها التي تقوم بزراعتها عضوية، ولا تَستخدم فيها ما يؤذي البيئة أو الإنسان من مبيدات حشرية سامة وأسمدة كيميائية ضارة.

وهكذا كلٌ في مجاله يستغل البيئة من أجل التوزيع الأوسع لمنتجاته وتحقيق النجاح في ترويجها وتسويقها في كافة دول العالم، ولا ندري من هو الصادق في إدعاءاته ومزاعمه، ومن هو الذي يستغل عواطف الناس وحبهم للبيئة ورغبتهم في شراء مواد استهلاكية صحية وصديقة للبيئة من أجل تحقيق الربح السريع والكبير.

ولذلك من الضروري أن نقوم بنشر وتعميق الوعي لدى المستهلكين بمفهوم هذه المصطلحات الجديدة التي غزت أسواقنا ومنازلنا، والاستفادة من كافة الأدوات الإعلامية والتثقيفية إلى توضيح ما هي حقاً منتجات خضراء وبيئية مقابل المنتجات الزائفة والمغشوشة التي لا أساس بيئي لها سوى اسمها ومزاعمها.

وفي الحقيقة فإن هذا الإعلان الخبيث في محتواه، والماكر في مضمونه عن السجائر والتدخين، يجعلني أفكر في إعلانات أخرى تتبناها شركات الجشع والخداع والغش المفضوح، وهي طرح منتجات في الأسواق يُكتب عليها: “كُوكايين صديق للبيئة”، أو “مَروَانة خضراء”، أو “ مُخدرات عضوية”، وذلك بهدف إقناع الناس بأن هذه المخدرات قد تكون مواد نافعة إذا تمت زراعتها في بيئة نظيفة خالية من المبيدات بأنواعها المختلفة، كمبيدات الأعشاب ومبيدات الحشرات والطفيليات، إضافة إلى تجنب الأسمدة الصناعية الكيميائية كالفوسفات والنيترات والبوتاسيوم، فهذه المخدرات، كالسجائر، إذن يمكن استهلاكها إذا زُرعت في حقول تتوافر فيها هذه الظروف البيئية والصحية السليمة، فلا داعي للقلق والخوف على صحتنا وبيئتنا منذ اليوم!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق