الاثنين، 22 أغسطس 2011

سرطانٌ في دُخانِ البُـخور



كُنْتُ قبل سنوات مُهتماً كثيراً بمعرفة كمية ونوعية الملوثات التي تنبعث عند حرق البخور والعود، ولكن لعدم وجود الأجهزة العلمية الدقيقة في البحرين والمختصة بقياس تركيز الملوثات في الدخان المنطلق من البخور والعود، اضطررت إلى حزم أمتعتي وشد الرحال وأخذ كمية من البخور والجهاز المستخدم في حرقه والذهاب إلى مختبرٍ متخصصٍ في إجراء الأبحاث المشابهة للبحث الذي أردتُ القيام به.

فوجدت ضالتي في انجلترا، وبالتحديد في مختبرٍ متخصصٍ في البحوث المتعلقة في تلوث البيئات الداخلية في مدينة واتفورد(Watford) البريطانية الواقعة شمال لندن، ويُطلق عليه بمختبر أبحاث المواد.

فذهبت إلى هذه المدينة ومكثت فيها نحو شهرٍ واحد، وقُمت بحرق البخور باستخدام المكبس أو المبخر الكهربائي في بيئة داخلية مغلقة، وجَمعتُ لمدة يومين كاملين عيناتٍ من هواء هذه البيئة الداخلية، وأجريت التحاليل اللازمة عليها.

فوجدتُ أن هناك أكثر من خمسين نوعاً من المركبات العضوية التي تنبعث عند حرق البخور، من أخطرها مركب البنزين المعروف بإصابة الإنسان بسرطان الدم، ومركب الفورمالدهيد المُسرطن، ومركب الأسيتلدهايد، والطولوين، وثنائي إيثيل الثاليت(diethylphthalate) الذي قد يكون من المركبات المسرطنة. والجدير بالذكر هو أن مجموعة مركبات الثاليت(phthalates) الموجودة أيضاً في المنظفات المنزلية التي تنتجها شركة جونسون(S. C. Johnson) الأمريكية مثل ويندكس(Windex) وبلدج(Pledge) قد تم إزالتها من هذه المنتجات بسبب انعكاساتها على الصحة عامة، وذلك حسب إعلان الشركة نفسها في 13 مارس 2009. كما أعلنت بعض الشركات الأمريكية الكبرى في يوليو 2008 مثل محلات وال مارت(Wal-Mart) ومحلات بيع ألعاب الأطفال تويس أرس(Toys R Us) أن منتجاتها ستكون خالية من مركبات الثاليت بدءاً من يناير 2009.

فهذه المشكلة البيئية الصحية القديمة والمتجددة الناجمة عن حرق البخور والعود وغيرهما، ليست محلية أو خليجية، فهي موجودة في كل أنحاء العالم. فدُور العبادة، سواء أكانت المساجد، أو الكنائس، أو المعابد اليهودية والبوذية والوثنية، كلها تُحْرقْ فيها أنواع مختلفة من البخور لساعات طويلة يومياً، كما يتم حرق البخور أو العود في المنازل والمكاتب وعند المناسبات كالأعراس والأعياد، ولذلك فهي مشكلة مستمرة وعالمية.

والدراسات العلمية البيئية والصحية تُنشر حتى الآن لتؤكد الانعكاسات السلبية التي تنجم عند حرق البخور، وتحذر من ضرورة الاستخدام السليم والمعتدل لها. فعلى سبيل المثال، نَشَرتْ مجلة ”السرطان“ الطبية بحثاً ميدانياً في عددها الصادر في أكتوبر 2008 حول البخور وسرطان الجهاز التنفسي، حيث أشارت الدراسة إلى زيادة احتمال الإصابة بسرطان الجهاز التنفسي عند التعرض لفترة طويلة وبشكلٍ مستمر للأدخنة المتصاعدة من حرق البخور.

كما نُشرت دراسة في مجلة الحساسية الجزيئية والسريرية(Clinical and Molecular Allergy) في أبريل عام 2008 حول التأثيرات الصحية السلبية لدخان البخور على الجهاز التنفسي، حيث أكدت الدراسة على أن حرق البخور بأشكاله وأنواعه المختلفة، تنبعث عنه الجسيمات الدقيقة أو الدخان، إضافة إلى الغازات، مثل أول أكسيد الكربون وهو غاز سام وقاتل للإنسان، وأكاسيد الكبريت والنيتروجين السامة، والبنزين، والطولوين، والزيلين، والفورمالدهيد، والأسيتالدهيد، ومجموعة أخرى من المركبات العضوية السامة والخطرة. كما تنطلق مجموعة مركبات تعرف بالمركبات العطرية متعددة الحلقات، وبعض هذه المركبات يصيب الإنسان بمرض السرطان. وأشارت الدراسة إلى أن هذه الأدخنة المنبعثة تسبب للإنسان مشكلات في الجهاز التنفسي وتثير عنده أمراض الحساسية في الجلد ومجرى التنفس.

كذلك في مجلة التفاعلات الكيميائية والفيزيائية(Chemico-Biological Interactions) الصادرة في مايو 2008، نُشر مقال متعلق بالانعكاسات الصحية للتعرض للمركبات المسرطنة الموجودة في دخان البخور، وبخاصة عند العاملين في المَعابِدْ التي يُحرق فيها البخور. فقد أكدت الدراسة على وجود مركبات مسرطنة موجودة في دخان البخور، منها البنزين، والبيتاديين، والمركبات العطرية متعددة الحلقات، كما أكدت الدراسة أن العاملين في هذه المعابد أكثر عرضة من غيرهم في الإصابة بالأمراض المزمنة بسبب طول الفترة الزمنية التي يتعرضون فيها للسموم التي تتصاعد من حرق البخور.

ومما يؤكد لي أيضاً واقعية المشكلة الصحية والبيئية الناجمة عن حرق البخور والعود هو الاتصال الذي تلقيته من إحدى ضحايا حرق العود. فقد أخبرني أنه كان يُعاني من ضيقٍ مُزمنٍ في التنفس وآلامٍ في الصدر، وعند استشارته لأحد الأطباء وبعد إجراء الفحوصات المخبرية عليه، أخبره الطبيب بأن يتوقف فوراً عن التدخين، فرد عليه المريض بأنه لا يدخن. وهنا احتار الطبيب من حالة هذا المريض، فكل الأدلة والفحوصات تؤكد على أنه يدخن. وبعد تتبع سلوكات وعادات المريض اليومية، تبين أن معاناته المرضية كانت بسبب استنشاقه وبشكلٍ مباشر ويومي للأدخنة المتصاعدة من حرق العود، والتي تراكمت في الرئتين مع الزمن وأدت إلى إصابته بهذا المرض المزمن. كذلك نشرت وسائل الإعلام خبراً مؤسفاً يَحْكي قصة الأم التي أشعلت البخور في غرفة مُحْكمة ووضعت طفلها الرضيع في هذه الغرفة، فتعرض الطفل للسموم القاتلة التي تنبعث من حرق البخور، وأدت إلى موته.

فخطورة الاستخدام غير السليم للبخور أو العود تكمن في ثلاثة أمور. الأمر الأول هو استخدام الفحم لحرق البخور، مما يُعقد كثيراً من المشكلة، فعلاوة على الأدخنة المنبعثة من حرق البخور نفسه، تتصاعد أدخنة أخرى سامة وخطرة من حرق الفحم. والأمر الثاني فهو الاستنشاق المباشر لدخان البخور، وحرقه في بيئة صغيرة مغلقة مما يؤدي إلى التعرض لكميات كبيرة من الملوثات السامة، والأمر الثالث فهو الرماد المتبقي من الحرق وترك هذا الرماد الخطر يتناثر في الغرفة ويصبح جزءاً منه.

ولذلك إذا تجنبنا هذه المخاطر الثلاثة، فلا بأس عندئذٍ من استعمال البخور والعود. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق