الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

المِـئْـذنـةُ البـيـئـية



العمارة الإسلامية منذ نشأتها في أقطار المعمورة التي تختلف في مناخها وبيئاتها، شرقاً وغرباً، تأخذ دائماً في الاعتبار أدوات التكيف مع الظروف المحلية والمتغيرات البيئية، لكي يتناسب البناء ويتوافق مع المحيط الخارجي ومع كافة متطلبات البيئة، وبالتالي تواكب الهندسة الإسلامية المستجدات في الساحة العالمية من نظريات جديدة وتقانات حديثة، فتقوم بمزج الماضي بالحاضر وإنشاء عمارة إسلامية مبتكرة وإبداعية ذات طابعٍ مميزٍ وخاص معترف به على المستوى الدولي.

واليوم نجد هذا المبدأ الهندسي الإسلامي المتعلق بالدمج بين الأصالة والمعاصرة والاستفادة من تقانات العصر الحديث ينكشف جلياً في تصميم المساجد، ليس في دولة إسلامية وإنما في عمق الغرب، وفي ألمانيا بالتحديد، حيث أعلنت الجالية المسلمة في شمال ألمانيا في المدينة الساحلية نوردرستدت (Norderstedt) بالقرب من مدينة همبورج العريقة، عن بناء مسجدٍ تبلغ قيمة إنشاؤه 2.5 مليون يورو.

والجديد هنا ليس هو بناء المسجد في حد ذاته، فهناك مساجد كثيرة في ألمانيا، ولكن الابتكار والجديد هو تغيير الوظيفة التقليدية لأحد رموز ودعائم عمارة وهندسة المساجد وهو المِنارة أو المئذنة، من الوظيفة التقليدية المتمثلة في رفع الأذان بدخول وقت الصلاة إلى وظيفة توليد الطاقة الكهربائية لتشغيل المسجد ومرافقه المتعددة.

فالمئذنة التي يبلغ طولها 22 متراً ستنتج الطاقة للمسجد عن طريق استخدام أحد مصادر الطاقة البديلة والمتجددة، حيث ستوضع فيها مراوح زجاجية، أو ما يُطلق عليه بالتوربينات من أجل توليد الكهرباء عن طريق الرياح، وهذا النوع من مصادر الطاقة النظيفة يتناسب مع البيئة المحلية الساحلية التي تتميز بظروفٍ مناخية خاصة تسود فيها الرياح طوال أيام السنة، فتكون مثالية جداً لاستخدام الرياح لتوليد الكهرباء بدلاً من مصادر الطاقة الأخرى. وعلاوة على ذلك، ستُزود المراوح العملاقة بمصابيح لإنارة المئذنة وإعطاء منظرٍ خلابٍ وجميل تُرى فيها المئذنة عن بعد عندما تدور مراوح التوربينات.

وقد جاء تصميم هذا المسجد الفريد من نوعه والذي يُقدم مثالاً مشهوداً للعمارة الإسلامية المتميزة، متوافقاً ومنسجماً مع سياسة ألمانيا في مجال الطاقة والاستثمار في مصادر الطاقة البديلة وغير الناضبة، كما جاء متزامناً مع القرار التاريخي للبرلمان الألماني الاتحادي وبالأغلبية الساحقة في 30 يونيو 2011 والمتعلق بإغلاق كافة المفاعلات النووية بحلول عام 2022، والاعتماد أكثر على مصادر الطاقة المتجددة، كالرياح والطاقة الشمسية.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق